للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقره، ويذكِّرُ الناس نعم ربهم، ويدعوهم إلى الاقتداء برسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، من ذلك أنَّ أبا هريرة مَرَّ بقوم بين أيديهم شاة مصليَّة، فدعوه أنْ يأكل فأبى وقال: «إنَّ رَسُولَ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ»

(١).

وقال مضارب بن حزن: «بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ تَحْتَ اللَّيْلِ، إِذَا رَجُلٌ يُكَبِّرُ، فَأُلْحِقُهُ بَعِيرِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ. قُلْتُ: مَا هَذَا التَّكْبِيرُ؟ قَالَ: شُكْرٌ. قُلْتُ: عَلَى مَهْ؟ قَالَ: كُنْتُ أَجِيراً لِبُسْرَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ ... فَزَوَّجَنِيهَا اللهُ!! فَهِيَ امْرَأتِي!!» (٢).

ويأتيه ضيوف، فيبعث إلى أمه: «إِنَّ ابْنَكِ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: أَطْعِمِينَا شَيْئًا» فَتُرْسِلُ إِلَيْهِ ثَلاَثَةَ أَقْرَاصٍ فِي الصَحْفَةِ، وَشَيْئًا مِنْ زَيْتٍ وَمِلْحٍ، فَلَمَّا وَضَعَهَا رَسُولُهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، كبَّر أبو هريرة، وقال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْبَعَنَا مِنَ الْخُبْزِ , بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامُنَا إِلاَّ الأََسْوَدَيْنِ: التَّمْرَ وَالْمَاءَ» (٣).

ويتمخَّطُ في ثوب من كتان مُمَشَّقٍ، فيقول: «بَخٍ بَخٍ!! يَتَمَخَّطُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، يَجِيءُ الجَائِي يَرَى أَنَّ بِيَ جُنُوناً، وَمَا بِي إِلاَّ الجُوعُ» (٤)!!.

...

[كرم أبي هريرة:]

كان أبو هريرة عفيف النفس مع فقره، فياض اليد، مبسوط الكف، جواداً، يحب الخير، ويكرم الضيوف، لا يبخل بما بين يديده، وإنْ كان قليلاً، فلم يحمله فقره على الشح، ولم يجعله دنيء النفس، يتكفَّفُ الناس ..


(١) " تاريخ الإسلام ": ص ٣٣٨، جـ ٢. رواه البخاري.
(٢) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٤٠، جـ ٢. و " الإصابة ": ص ٢٠٦، جـ ٧.
(٣) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٣٩، جـ ٢.
(٤) " طبقات ابن سعد ": ٤: ٢/ ٥٣. و " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٢٦، جـ ٢. و " تاريخ الإسلام ": ص ٣٣٥، جـ ٢.

<<  <   >  >>