للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حين سمع أبا بكر يُكَبِّرُ في الليل، قَالَ مُضَارِبُ بنِ حَزْنٍ: «بَيْنَا أَنَا أَسِيْرُ تَحْتَ اللَّيْلِ، إِذَا رَجُلٌ يُكَبِّرُ، فَأُلْحِقُهُ بَعِيْرِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ. قُلْتُ: مَا هَذَا التَّكْبِيْرُ؟ قَالَ: شُكْرٌ. قُلْتُ: عَلَى مَهْ؟ قَالَ: كُنْتُ أَجِيْراً لِبُسْرَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ بِعُقْبَةِ (١) رِجْلِي، وَطَعَامِ بَطْنِي، وَكَانُوا إِذَا رَكِبُوا سُقْتُ بِهِمْ، وَإِذَا نَزَلُوا خَدَمْتُهُمْ، فَزَوَّجَنِيْهَا اللهُ!! فَهِيَ امْرَأتِي» (٢).

فأبو هريرة يشكر الله - عَزَّ وَجَلَّ - على نعمه وتوفيقه لزواجه من بُسرة، وأي شيء في هذا؟ أي شيء أكثر من طيب نفس أبي هريرة وصفائها، ورضائها بما قسم الله له. واحترامه لأنعم الله تعالى، وتوضعه وتذكره ما كان عليه وإقراره بفضل الله - عَزَّ وَجَلَّ - عليه. ولكن المؤلف استغلَّ طيب نفس أبي هريرة للتشهير به، ورأى في كل ذلك مادة غزيرة يشوِّهُهَا كما يحب ويرضى.

وفي هذا كله يرى أنَّ الأمويِّين استعبدوه بِبِرِّهِمْ «فملكوا قياده، واحتلُّوا سمعه وبصره وفؤاده، فإذا هو لسان دعايتهم في سياستهم، يتطوَّرُ فيها على ما تقتضيه أهواؤهم .. » [صفحة ٣٥].

هكذا أراد المؤلف أنْ يُصَوِّرَ أبا هريرة، الذي عرفنا اعتزاله الفتن، وسيره مع الحق، ومناصحته للمسلمين، وحُبه لأهل البيت.

وهكذا يأبى الله إلاَّ أنْ يُقَوِّضَ ما حاكه أعداء أبي هريرة من شُبُهات ضدَّهُ، ويكشف النقاب عن وجه الحق، ليزهق الباطل، وصدق اللهُ العظيم إذ يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} (٣).

...

ثانياً: هل وضع أبو هريرة الأحاديث كذباً على رسول الله؟:

لقد افترى المؤلف على أبي هريرة افتراءات لا يتصوَّرُها إنسان من مستشرق متجاهل أو من عدوٍّ متحامل، قال: «فتارة يفتئتُ الأحاديث


(١) العقبة، أي نوبة ركوبه.
(٢) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٤٠، جـ ٢.
(٣) [الأنبياء: ١٨].

<<  <   >  >>