للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي هذا الطعن أخطأ المؤلِّفُ طريقه، وتنكب جادَّة الصواب، واتَّهم المسلمين جميعاً بأنهم لم يعرفوا قيمة الصحاح، وفي هذا إنكار شديد للمنهج العلمي الذي نهجه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - للمحافظة على السُنَّة الشريفة، وقد ذاعت شُهرة هذا المنهج وانتشرت في الآفاق، حتى شهد الغرباء عن الإسلام، بل أعداء الإسلام بدقَّة العمل الذي كان عليه حُفاظ الأُمَّة ومُحَدِّثُوهَا، من ذلك ما قاله مرجليوث: «ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم» (١).

ولكن المؤلِّفَ لا يذكر هذا ليعمي على المسلمين طريقهم ويشكِّكَهُمْ في كتبهم المعتمة، قبل أنْ يُدلِي بأية حُجَّةٍ أو أنْ يعرض عليهم بعض بحثه، يريد منا أنْ نُسَلِّمَ له بما يقول ويرى، فنحن كقُرَّاء لا نعرف شيئاً عن أبي هريرة وحديثه، لا يمكننا أنْ نحكم عليه ما لم ندرسه دراسة نزيهة مُحرَّرة، نحكم عليه من خلالها. أما أنْ نكون فريسة خَيَالِهِ وأهوائه فهذا خلاف البحث العلمي، وما عهدنا بحثاً توضع نتائجه قبل مناقشته ومحاكمته، فهذا خلاف المنهج العلمي الذي يَدَّعِيهِ.

ثم إنه يرى ذلك نتيجة طبيعية للأصل الذي أجمع عليه الجمهور، وهو عدالة الصحابة، ويَدَّعِي عدم وجود دليلٍ على هذا الأصل. إلاَّ أننا أثبتنا صِحَّةَ ما ذهب إليه الجمهور وبَيَنَّا الأدلَّة في ذلك (٢) ثم يقول: «لم يكن لنا بُدٌّ من البحث عن هذا المكثر نفسه، وعن حديثه كَمًّا وكَيْفًا لنكون على بصيرة فيما يتعلَّق من حديثه بأحكام الله فروعاً وأصولاً، هذا ما اضطرَّنَا إلى هذه الدراسة المُمْعِنة في حياة هذا الصحابي - وهو أبو هريرة - في نواحي حديثه، وقد بالغت في الفحص، وأغرقت في التنقيب حتى أسفر وجه الحق في كتابي هذا، وظهر فيه صبح اليقين».

لقد تصوَّر أحاديث أبي هريرة موضوعة مكذوبة، وقد تغلغل هذا الوضع في أصول الدين وفروعه، وغفل عنه المسلمون!! لذلك كان من واجبه الدفاع عن الشريعة الغرَّاء، وحمايتها من الأكاذيب والأوهام،


(١) تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديث عن المقالات العلمية: ص ٢٣٤ - ٢٣٥.
(٢) انظر ما كتبناه عن عدالة الصحابة وأدلَّة ذلك في هذا الكتاب.

<<  <   >  >>