الشوائب، ولكن أيَّ خرافات وسخافات في حديث أبي هريرة؟ وهل يريد منا المؤلف أنْ ننظر إلى تلك الأحاديث من زاوية معيَّنة؟ أم أنه يظن أنَّ الأُمَّة بقيت في غفلة من تلك الأوهام والضلالات، طيلة أربعة عشر قرناً لا تعرف جوهر الإسلام، ولا تميِّزه من خرافاته، لقد طعن في طلائع العلماء وأئمة النقد، واتَّهمهم بالسكوت عن المنكر، وهذا يوجب تأثيم الأمَّة بأجمعها، ولا أظن أحداً يقول هذا!؟ لقد جعل تلك المواكب المتتالية، والأمواج المتتابعة من أبناء الأمَّة، رجال العلم والبحث، خلال تلك القرون الطويلة، ينسون أو يتجاهلون ما ورد عن أبي هريرة من تلك الخرافات التي - يزعمها المؤلف - ليتسنى له الكشف عن ذلك على يدي بحثه العلمي!!! فينقذ به الأمَّة من قيود الجهل والغفلة!! وقد شعر المؤلف بخطر بحثه فقال:« ... أقول هذا وأنا أرى وجوهاً تنقبض دوني، ونفوساً تتقبض مزورة عني. وقد يكون لها بسبب الوراثة والتربية والبيئة أنْ تنقبض وتتقبض أمام حقيقة وضعها البحث على غير ما ألفت من احترام الصحابة واعتقاد عدالتهم أجمعين أكتعين أبصعين، من غير أنْ تزن أعمالهم وأقوالهم بالموازين التي أخذ النبي صلى الله عليه وآله بها أمَّته، لأنَّ الصُحبة عندهم بمجرده ا حرم لا تنال من اعتصم به معرة ولا يمس بجرح، وإنْ فعل ما فعل، وهذا شطط على المنطق وتمرُّدٌ على الأدلَّة»[صفحة: ج].
كيف لا تتقبَّضُ النفوس الصافية عن الباطل؟ وكيف لا يثور المرء المعتدل للحق إذا ديست حرمته؟ إنه يفتري على الصحابة نقلة الشريعة وحفظها، ويريد منا أنْ نكون في بردٍ وسلامٍ!! ثم من هم الصحابة الذين فعلوا ما فعلوا وجعلهم الجمهور معصومين؟ لقد بيَّنْتُ فيما سبق أنَّ من اختلف في عدالتهم من الصحابة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة .. ومع هذا فقد انتصر ابن العربي وبَيَّنَ الحقَّ وأبطل ما ادَّعَاهُ الخصم.
ثم يتابع قوله مُبَيِّناً أحوال الصحابة إلى أنْ يقول:«هذا رأينا في حَمَلَةِ الحديث من الصحابة وغيرهم، والكتاب والسُنَّة بَيِّنَتُنَا على هذا الرأي -».
ويقول في هامش [صفحة: د]: «لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يُسَمُّونَهُ صحابياً حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين».