وستمائة دينار. قال - أبو هريرة -: كانت له أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت، قال: حسبت لك رزقك ومؤنتك، وهذا فضل فأده. قال: ليس لك ذلك. قال: بلى والله وأوجع ظهرك، ثم قال إليه بالدرة فضربه حتى أدماه، ثم قال: ائت بها، قال: أحتسبها (١) عند الله، قال: ذلك لو أخذتها من حلال وأدَّيْتَهَا طائعاً، أجئت من أقصى حجر البحرين (٢). يجيء الناس لك لا لله ولا للمسلمين؟ مارجّعَّت (٣) بك أميمة إلاَّ لرعية الحمر» (٤). رأى المؤلف هذه الرواية توافقه فاستشهد بها، ولم يذكر الرواية التي بعدها مباشرة، فليس في تلك ضرب عمر لأبي هريرة، بل فيها رَدُّ أبي هريرة على عمر حين قال له:«يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَسَرَقْتَ مَالَ اللَّهِ؟» قال أبو هريرة: «مَا أَنَا عَدُوُّ اللَّهِ وَلاَ عَدُوُّ كِتَابِهِ، لَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا ... ».
إنَّ ما استشهد به المؤلف مُجَرَّدٌ من السند، فلو كان لروايته في الأصل سند أمكننا أنْ نتعرَّف من خلاله مقدار صحَّتها، بينما وردت الرواية الثانية التي لم تنص على ضرب عمر لأبي هريرة في مراجع كثيرة جداً باسانيد صحيحة في " حلية الأولياء " و " طبقات ابن سعد " و " تاريخ الإسلام " و " الإصابة " و " عيون الأخبار "، وقد ذكرت هذا في ترجمته، فهذه الرواية التي استشهد بها المؤلف ترد لأنها تخالف روايات أصح منها. ولو فرضنا صِحَّتها، فإنَّ الرواية الثانية التي تلتها وليس فيها ضرب عمر لأبي هريرة، بل فيها مناقشة أبي هريرة عمر، وبيان طريق أمواله التي جمعها، وردِّهِ اتهامه الذي وجَّهه إليه؛ أقول إنَّ هذه الرواية تُصَحِّحُ ما قبلها، وتُلقِي ضوءاً عليها إذ فيها «فَقَبَضَهَا - الدَّرَاهِمَ - مِنِّي فَلَمَّا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ اسْتَغْفَرْتُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
».
إنَّ أبا هريرة يستغفر لأمير المؤمنين الذي شاطرهُ ماله، وهو يعلم
(١ و ٢ و ٣ و ٤) في " العقد الفريد ": ١/ ٣٤: احتسبتها ... ومن أقصى حجر بالبحرين. ورجعت من غير تشديد الجيم. قال الكاتب في هامش الصفحة [١٥]: «الرجع والرجيع العذرة والروث سُمِّيَا رجيعاً لأنهما رجعا من حالتهما الأولى بعد أن كانا طعاماً وعَلَفاً .. وكلمة الخليفة هذه من أفضع كلمات الشتم». أقول: إنَّ سوء فهم الكاتب للنص وهَوَاهُ جعلاهُ يفسِّرُ هذه الكلمة بما فسَّرَ، بينما الحقيقة ما رجعت أي ما عادت. والنص لا يحتمل أكثر من هذا التفسير. فلم هذا التحامل؟ وهل هذا سبيل الباحث النزيه!!؟.