للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَخَلْقِي! فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً» (١) وأبطأ مروان بن الحكم يوماً بالجمعة فقام إليه أبو هريرة فقال له: «أَتُظَلُّ عِنْد ابْنَة فُلاَنٍ تُرَوِّحَُِك بِالمَرَاوِحِ وَتَسْقِيَك الْمَاءَ الْبَارِدَ، وَأَبْنَاء الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ يُصْهَرُونَ مِنَ الْحَرِّ؟ لََقََدْ هَمَمْتُ أََنْ أَفْعَلَ وَأَفْعَلَ»، ثُم قَال: «اسْمَعُوْا مَن أَمِيرِكُمْ» (٢).

فهل هذا موقف المُتشيِّع لبني أمية، النازل على رغباتهم في الحديث، الدَّاعي لهم!! أم أنَّ هذا موقف ملتزم الحق؟ إنه أنكر على الأمير تأخُّرهُ، وحفظ له حقه فأمر المسلمين بالسماع إليه. وهذا دليل آخر على مكانة أبي هريرة بين المسلمين. فلو كان حقيراً مهيناً ما سمع منه المسلمون وما تحمَّله مروان. ومع هذا فإنَّ المؤلف لكتاب " أبو هريرة " قد يرى في هذه القصة لوناً جديداً من المؤامرات لتثبيت ملك الأمؤيِّين كما يتخيَّلُ المؤلفُ أبا هريرة في تفكيره وعلمه وذوقه الفنيَّ، واستنتاجه واستقرائه .. !!

وكان يجدر بالمؤلف أنْ يتَّهِمَ أبا هريرة بالتشيُّع لأهل البيت، لما رُوِيَ عنه عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مناقبهم ومدحهم مِمَّا ورد في صحاح السُنَّة المُطَهَّرَةِ (٣)، وهذا أولى له من أنْ يتتبَّع الأحاديث الضعيفة، والموضوعة على أبي هريرة في مدح الأمويِّين، ليتَّهمه بموالاتهم وتأييدهم، بالرغم من وضوح وضع تلك الأحاديث، ومعرفة الكَذَبَةِ الواضِعِين لها. وجلاء أمرها ..

ولو كان أبو هريرة مُتَشَيِّعاً للأمويِّين لأَبَى أنْ يروي بعض فضائل أهل البيت، وبوجه خاص فضائل أمير المؤمنين عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ولكن شيئاً من هذا لم يقع، وكان أبو هريرة أسمى وأعلى من أنْ يكتم حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لميل أو هوى، وأرفع من أنْ يكذب على حبيبه الصادق المصدوق محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإننا


(١) " مسند الإمام أحمد ": ١٢/ ١٤٨، رقم ٧١٦٦ بإسناد صحيح ورواه البخاري.
(٢) " العقد الفريد ": ١/ ٤٢.
(٣) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص ١٢٩، رقم ٧٣٩٢. وص ١٩٥، رقم ٧٤٥٥، جـ ١٣. و ص ٦٩، حديث ٧٦٣٦. و ص ٢٦٠، حديث ٧٨٩٢، جـ ١٤. و " فتح الباري ": ص ٧٦ و ٩٥، جـ ٨. وقد ذكرت هذا مِمَّا حضرني، وليس على سبيل الحصر.

<<  <   >  >>