للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه المكحلة والخضاب ولكن أرى ذلك شغلك!!! على أنه لم يلبث أنْ عاد فشهد بأنها أعلم منه وأنَّ المرآة والمكحلة لم يشغلاها» (١).

إنَّ القصة التي يشير إليها الكاتب رواها ابن سعد عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: «إِنَّكَ لَتُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ». فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «يَا أُمَّهْ! طَلَبْتُهَا وَشَغَلَكِ عَنْهَا الْمِرْآةُ وَالْمُكْحُلَةُ وَمَا كَانَ يَشْغَلُنِي عَنْهَا شَيْءٌ» (٢).

وروى الذهبي القصة من طريق إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: دَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: «أَكْثَرْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ». قَالَ: «إِيْ - وَاللهِ - يَا أُمَّاهُ، مَا كَانَتْ تَشْغَلُنِي عَنْهُ المِرْآةُ وَلاَ المُكْحُلَةُ وَلاَ الدُّهْنُ». قَالَتْ: «لَعَلَّهُ» (٣). وروى نحو هذا ابن عساكر وابن كثير (٤).

هل خرج أبو هريرة عن حدود الأدب مع السيِّدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -!؟ إنه يدافع عن نفسه عندما استكثرت ما يُحَدِّثُ به، فبيَّن لها أنه كان يطلب الحديث وأنها شغلت عما استكثرته من أبي هريرة بحياتها المنزلية، وهو شأن كل امرأة في بيت الزوجية، عليها مسؤوليات كثيرة لا تتيح لها أنْ تسير مع زوجها في كل مكان، أو ترافقه في جميع أنواع حياته.


(١) " أضواء على السُنَّة المحمدية ": ص ١٦٦ - ١٦٧.
(٢) " طبقات ابن سعد ": ٢: ٢/ ١١٩ وإسناده عن الوليد بن عطاء بن الأغر وأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي المَكِّيَانِ. قالاَ أخبرنا عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده. وهؤلاء كلهم ثقات: الوليد بن عطاء ذكره ابن حبان في " الثقات ". " تهذيب التهذيب ": ١١/ ١٤٢، وأحمد بن محمد بن الوليد ثقة: " تهذيب التهذيب ": ١/ ٧٩، عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية روى عن جده (سعيد بن عمرو) ثقة: " تهذيب التهذيب ": ٨/ ١١٨ ونحوه بإسناد آخر من طريق عمرو بن يحيى أيضاً: " المحدث الفاصل ": ص ١٣٣: ب.
(٣) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٣٥، جـ ٢.
(٤) انظر " تاريخ دمشق ":ص ٤٩٧، جـ ٤٧، و " البداية والنهاية ": ص ١٠٨، جـ ٨.

<<  <   >  >>