للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأحكام التي نص عليها الله - عَزَّ وَجَلَّ - في القرآن الكريم، ذلك لأنَّ ما يسُنُّهُ الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لا يكون إلاَّ حقاً، والله - عَزَّ وَجَلَّ - لا يقر الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على اجتهاد خطأ، بل ينزل الوحي ويُصَحِّحُ له اجتهاده، فكل حكم ثبت من طريق السُنَّة وجب اتِّباعه، لأنه حكم الله لعباده على لسان رسوله. وقد ثبتت عدة أحكام بالسُنَّة من غير أنْ ينُصَّ عليها الكتاب الكريم، كتحريم أكل الحُمُر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وتحريم نكاح المرأة على عمَّتها أو خالتها (١). ولم يفكر مسلم في ترك بعضها لأنها لم تذكر في الكتاب، بل استجاب لذلك جميع المسلمين مُطبِّقين أمر الله - عَزَّ وَجَلَّ - في اتِّباع سُنَّة محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذي نزل فيه قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (٢).

قال ابن قيم الجوزية: «وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (٣).

فأمر الله بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاماً بأنَّ طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً، سواء أكان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول، إيذاناً بأنهم إنما يطاعون تبعاً لطاعة الرسول. فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر بخلاف ما جاء به الرول فلا سمع له ولا طاعة» (٤).


(١) انظر " الرسالة " للإمام الشافعي: ص ٩٢ وما بعدها، و " أعلام الموقعين ": ص ٢٨٨ - ٢٩٠ جـ ٢. و " أصول التشريع الإسلامي ": ص ٤٢ وما بعدها. وانظر (موضوع السُنَّة ومكانتها من القرآن الكريم) من كتابنا " السُنَّة قبل التدوين ".
(٢) [النجم: ٣، ٤].
(٣) [النساء: ٥٩].
(٤) " أعلام الموقعين "، ص ٤٨، جـ ١.

<<  <   >  >>