للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه إحدى الروايات المطلقة (١)، التي ورد فيها إيذاء أو سب الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد وردت روايات أخرى مقيَّدة بيَّنت المراد من الروايات المطلقة، فقد جاء في رواية عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، مِنْ أُمَّتِي، بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً» (٢)، ولم يذكر أحد من العلماء أنَّ أبا هريرة وضع هذا الحديث إرضاء لمعاوية. وماذا يقول عندما يعلم أنَّ عائشة أم المؤمنين وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك (٣) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - قد رَوَوْا هذا الحديث أيضاً؟ فهل وضعوه إرضاء لمعاوية!! أظن أنه لا يقول هذا أحد يعرف للصحابة منزلتهم وفضلهم وجليل قدرهم.

ثم إنَّ هذا الحديث ورد في حديث طويل، حين داعب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتيمة عند أم أنس بن مالك، وقال لها: «لَقَدْ كَبِرْتِ، لاَ كَبِرَ سِنُّكِ» فظنَّت اليتيمة أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد دعا عليها، فاستفهمت أم أنس من الرسول عن ذلك فقال فيما قاله: «فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، مِنْ أُمَّتِي، بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (٤).

فإنَّ دعاءه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أو سبه لمؤمن ليس بأهل لذلك، يكون أجراً وطهراً له، وهذا من باب تلطف رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأمَّته، وقد ذكر الإمام النووي بعض المقصود من هذا الحديث، فقال: «أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبِّهِ وَدُعَائِهِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي وَصْلِ كَلامِهَا بِلاَ نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ تَرِبَتْ يَمِينُكَ وعَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ " لاَ كَبِرَتْ سِنُّكِ " وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ لاَ " أَشْبَعَ


(١) انظر " صحيح مسلم ": ص ٢٠٠٧ - ٢٠١٠، جـ ٤.
(٢) " صحيح مسلم ": ص ٢٠١٠، جـ ٤. من حديث طويل رقم [٩٥].
(٣) انظر " صحيح مسلم ": ص ٢٠٠٧ و ٢٠٠٩، جـ ٤.
(٤) " صحيح مسلم ": ص ٢٠٠٩، حديث ٩٥، جـ ٤.

<<  <   >  >>