والمشهور عن أبي هريرة أنه كان يعزو كل ما يُحَدِّثُ به عن غير النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى قائله، فبالأحرى أنْ يبيِّن حديث كعب، وما يقوله له كعب، ولا يمكن لإنسان أنْ يتصوَّر أبا هريرة الذي روى حديث:«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يكذب على لسان الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وينسب ما يقوله كعب إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخاصة أنَّ كعب الأحبار لم يلق النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. فإنْ كان أبو هريرة وابن عباس قد سمعا من كعب وَرَوَيَا عنه فإنما رَوَيَا أخبار الأمم الماضية وعَزَوَاهَا إليه. وربما يكون بعض السامعين قد خلط بين ما يروي أبو هريرة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما يرويه من القصص عن كعب، ويثبت ذلك ما قاله [بُسْرٌِ بنِ سَعِيدٍ]: «اتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الحَدِيثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبٍ (الأحبار)، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، وَيَجْعَلُ حَدِيْثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (١).
فليس في تحديث أبي هريرة عن كعب أيُّ حرج أو مانع وقد سمح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك فقال:«حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ»، ولكن ليس لأحد أنْ يزعم أنه كان يسب ما يُحَدِّثُ به عن كعب إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد بان وجه الحق فيما رويناه من أنَّ بعض من كان يسمع ذلك كان يخطئ في نسبة ما سمع من أبي هريرة إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... فما جريرة أبي هريرة في ذلك؟.
والغريب من أمر المؤلف أنه يتعجَّبُ من بعض الأحاديث التي يرويها أبو هريرة ويوافقه عليها كعب، ويستشهد بما يؤيِّدها من " التوراة ". مثال ذلك، قوله: «وإليك مثلاً من ذلك نختم به ما ننقله من الأحاديث التي رواها أبو هريرة عن النبي وهي في الحقيقة من الإسرائيليات حتى لا يطول
(١) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٣٦، جـ ٢ عن بُشر بن سعيد وأخرجه مسلم عن بشير وهو الأصح.