للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو هريرة يقول فيما روى مسلم أنه كان يخدم النبي على ملء بطنه، وفرق بين من يقول إنه كان يخدم ومن يقول إنه كان يصاحب، وحسن الظن في هذه المواطن شر من سوئه، وما أظن أبا هريرة أقبل من اليمن مع من أقبل منها إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا ليؤمن به ولا ليأخذ عنه الدين بل ليملأ بطنه عنده.

هذا إسراف في التأويل وفي إساءة الظن.

والمؤلف شديد على أبي هريرة شِدَّةً أخشى أنْ يكون قد أسرف فيها شيئاً. فنحن نسلِّمُ أنَّ أبا هريرة كان كثير الحديث عن النبي، وأنَّ عمر شَدَّدَ عليه في ذلك، وأنَّ بعض أصحاب النبي أنكروا بعض حديثه، وأنه أخذ كثيراً عن كعب الأحبار، وكان المؤلف يستطيع أنْ يُسَجِّلَ هذا كله تسجيلاً موضوعياً كما قال، ودون أنْ يقحم فيه غيظاً أو موجدة، فهو لا يكتب قصة ولا يكتب أدباً فيظهر شخصيته بما ركب فيها من الغضب والغيظ والموجدة، وإنما يكتب علماً يتَّصل بالدين، وأخص مزايا العلماء ولا سيما في هذا العصر أنهم ينسبون أنفسهم حين يكتبون العلم أنهم يبحثون ويُقَرِّرُونَ بعقولهم لا بعواطفهم.

فمن الظلم لأبي هريرة أنْ يقال إنه لم يصاحب النبي إلاَّ ليأكل من طعامه والذي نعلمه أنه أسلم وصلى مع النبي وسمع منه بعض أحاديثه، فليقل فيه المؤلف أنه لم يصاحب النبي إلاَّ ثلاث سنين، وقد روى من الحديث أكثر مِمَّا روى المهاجرون الذين صحبوا النبي بمكة والمدينة، وأكثر من الأنصار الذين صاحبوا النبي منذ هاجر إلى المدينة حتى آثره الله بجواره، وهذا يكفي للتحفُّظ والاحتياط بإزاء ما يروى عنه من الحديث.

وأخرى أريد أنْ أثبتها هنا هي أنَّ المؤلف يقول في حديثه الطويل عن أبي هريرة أنه لحرصه على الأكل ورغبته ي الطيبات كان يأكل عند معاوية ويصلِّي مع عَلِيٍّ ويقول: إنَّ الأكل مع معاوية أدسم أو بعبارة أدق إنَّ المضيرة عند معاوية أدسم - والمُضَيْرَةُ لون من الحلوى - وإنَّ الصلاة مع عَلِيٍّ أفضل.

<<  <   >  >>