للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس من الانغماس في ملاذ الدنيا وشهواتها (١)، لا يفرق في ذلك بين غني وفقير، أو بين حاكم ومحكوم، يرشد الأمة إلى الحق والصواب، ها هو ذا يَمُرُّ بقوم يتوضَّأون فيقول لهم: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» (٢)، ويسألونه عن القراءة في الصلاة، فيقول: «كُلُّ صَلاةٍ يُقْرَأُ فِيهَا، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَلَيْنَا، أَخْفَيْنَا عَلَيْكُمْ» (٣)

ودخل أبو هريرة دَارَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهِيَ تُبْنَى، فَرَأَى فِيهَا تَصَاوِيرَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «يَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً» (٤).

وكان لا يقبل مع حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو مع سُنَّته شيئاً، ولا يرضى أنْ يضرب لها الأمثال، ومن ذلك ما قاله لرجل: «يَا ابْنَ أَخِي إِذَا حَدَّثْتُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا، فَلاَ تَضْرِبْ لَهُ الأَمْثَالَ» (٥)

وكان يقول: «ثَلاَثٌ أَوْصَانِي بِهِنَّ خَلِيلِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لاَ أَدَعُهُنَّ أَبَدًا: الْوَتْرُ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ، وَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» (٦).

حقاً إنَّ أبا هريرة لم يدع ذلك (٧)، فقد سأله عثمان النهدي: كيف


(١) " حلية الأولياء ": ص ٣٨٠، جـ ١. و " البداية والنهاية ": ص ١١١، جـ ٨.
(٢) " مسند الإمام أحمد ": ص ٨٩، جـ ١٢، رقم ٧١٢٢، إسناده صحيح.
(٣) المرجع السابق، ص ٢٤٥، جـ ١٢، رقم ٧٤٩٤، إسناده صحيح. يريد ما جهر به الرسول من القراءة، جهر به وما أَسَرَّ به، أَسَرَّ به.
(٤) " مسند الإمام أحمد ": ص ١٤٨، رقم ٧١٦٦، جـ ١٢، وإسناده صحيح. وأخرجه البخاري.
(٥) " سنن ابن ماجه ": ص ١٠، حديث ٢٢، جـ ١. و " سنن البيهقي ": ص ١٠، جـ ١. وانظر نحو هذا من قول أبي هريرة لابن العباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في " سنن الترمذي ": ص ١١٥، جـ ١.
(٦) " مسند الإمام أحمد ": ص ١٩٤، رقم ٧٤٥٧، جـ ١٣، وانظر الأحاديث: ٧١٣٨ و ٧١٨٠، بإسناد صحيح. وانظر " مسند ابن راهويْه ": ص ١٥، جـ ٤.
(٧) راجع " مسند الإمام أحمد " أنه يروي كثيراً عنه مِمَّا يدل على ما ذكره أعلاه، مثاله ص ١٠٨، جـ ١٢.

<<  <   >  >>