للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَدَّثَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، طَأْطَئُوا رُءُوسَهُمْ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ مُعْرِضِينَ؟ وَاللهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ» (١). لقد حدَّثهم في حسن الجوار ومعاملة الجار جاره، وحين رآهم مُعرضين اشتدَّ عليهم وأبى ألاَّ يعملوا ومعاملة الجار جاره، وحين رآهم معرضين اشتدَّ عليهم وأبى ألاَّ يعملوا طبقاً للسُنَّة وأحكامها وإنَّ قوله هذا وشدَّته، لا تقلُّ عن شِدَّة الفاروق عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وما أجمل عضبه لله ورسوله، الذي ظهر في عبارته «وَاللهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ». ومعنى قوله هذا: أنها كانت على ظهورهم وبين أكتافهم لا يقدرون أنْ يعرضوا عنها، لأنهم حاملوها (٢).

واختلف الفقهاء: أهذا حق على الجار لجاره واجب؟ أم هو أدب؟.

قال الخطابي في " المعالم " (٣٤٨٧) من " تهذيب السنن ": «عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ يَذْهَبُونَ فِي تَأْوِيلِهِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيْجَابٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ وَحَسُنِ الْجَوَارِ، إِلاَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ رَآهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ يَقْضُوا بِهِ عَلَى الجَارِ وَيُمْضُوهُ عَلَيْهِ إِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ» (٣). وقد أوصى الله ورسوله بالجار خيراً، لهذا كان على الجار أنْ يحسن جوار جاره، وأرى في مذهب الفقهاء ومذهب الإمام أحمد ما فيه مصلحة المسلمين جميعاً، وإنْ حمل الأمر فيه على الندب والأدب لا يمنع القاضي من أنْ يحكم بوجوب غرز الخشبة إذا وجد في ذلك مصلحة لأحدهما لا تضر بمصلحة الآخر.

وعن سعيد بن المسيب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَجُلٌ: كَمْ يَكْفِي رَأْسِي فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثًا». قَالَ: إِنَّ شَعْرِي كَثِيرٌ؟ قَالَ: «كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ وَأَطْيَبَ».

وكان يسيئه أنْ يرى بعض المُصَلِّينَ يتأخَّرُون يوم الجمعة في حضورهم إلى الجامع حتى يخطب الإمام، فيقول: «لأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ،


(١) " مسند الإمام أحمد ": ص ٢٧٣. حديث ٧٢٧٦، جـ ١٢. وإسناده صحيح.
(٢ و ٣) انظر هامش ص ٢٧٤، جـ ١٢ من " مسند الإمام أحمد ".
(٤) " مسند الإمام أحمد ": ص ١٥١. حديث ٧٤١٢، جـ ١٣. وإسناده صحيح. ورواه " ابن ماجه "، كما ذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد ": ص ٢٧١، جـ ١.

<<  <   >  >>