للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» (١).

ولم يثبت عن أبي هريرة أنه اشترك في تلك الفتن والخلافات، وأما ما ذكره أبو جعفر الإسكافي من أنَّ أبا هريرة كان مع النعمان بن بشير في قدومه من دمشق إلى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في المدينة، لرفع القتال، وحقن دماء المسلمين، على أنْ تكون الشام ومصر لمعاوية، والحجاز والعراق لعَلِيٍّ، فهذا الخبر لم يصح، ولم يروه مؤرِّخٌ ثقة قط، ولم أجده إلاَّ في " شرح نهج البلاغة " (٢)، عن أبي جعفر من غير سند، فكيف نحكم على صحته مع مخالفته لصحيح الأخبار؟.

ولو سلَّمنا جدلاً بصحة هذا الخبر، فإنه لا يدل على اشتراك أبي هريرة في الفتنة، كما لا يدل على تحزُّبه لمعاوية أو لعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وإنما يدل على حياده التام، وعلى إجلال الصحابة له، وعلى مكانته عند عَلِيٍّ ومعاوية - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - مِمَّا حمله على محاولة طيبة، وهي إيقاف القتال، وحقن الدماء، ودعوة الفريقين إلى الصلح والسلام. وأنَّ هذه المحاولة تدل على سمو أخلاق أبي هريرة، وحرصه على جمع كلمة المسلمين ونبذ الخلاف، والرجوع إلى الحق.

وبالرغم من أنَّ هذا الخبر لا يدل قطعاً على تشيع أبي هريرة لأحد الفريقين، بل يدل على مكانته ومنزلته بين المسلمين، بالرغم من هذا فإننا نتوقَّف عن الأخذ به إلى أنْ يصح في مصدر موثوق به.

والثابت عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حُبَّهُ لأهل البيت، فقبل صفحات ذكرت حبه للحسن بن عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، وقد روى مساور مولى بني سعد بن بكر قال: رأيت أبا هريرة قائماً في المسجد يوم مات


(١) " فتح الباري ": ص ٤٢٦، جـ ٧. و " مسند الإمام أحمد " ص ٢٠٨، جـ ١٤.
(٢) انظر " شرح نهج البلاغة " طبع دار الفكر ببيروت: ص ٢٦٠، جـ ١.

<<  <   >  >>