فكذلك ينبغي لمن كان عالمًا بعاقبة أمر - بوجهٍ من وجوه العِلم الذي هو خارج عن معتاد الجمهور - أن يَحكُم فيه عند العبارة عنه بحُكمِ غيرِ العالم؛ دخولًا في غِمار العامة وإن بان عنهم بخاصية يمتاز بها، وهو من التنزُّلات الفائقة الحُسن في محاسن العادات.
وقد كان رسول الله ﷺ يعلَم بأخبار كثير من المنافقين، ويُطلِعه ربُّه على أسرار كثيرٍ منهم، ولكنه كان يُعامِلهم في الظاهر معاملةً يشترك معهم فيها المؤمنون؛ لاجتماعهم في عدم انخرام الظاهر، فما نحن فيه نوعٌ من هذا الجنس.
والأمثلة كثيرة.
فإن كان كذلك، ظهر أن الجهة الثانية يُستفاد بها أحكام شرعية وفوائدُ عملية ليست داخلة تحت الدلالة بالجهة الأولى، وهو توهينٌ لما تقدَّم اختياره.
والجواب: أن هذه الأمثلة وما جرى مجراها لم يُستفَد الحُكم فيها من جهة وضع الألفاظ للمعاني، وإنما استفيد من جهة أخرى، وهي جهة الاقتداء بالأفعال، والله أعلم" (١).
(١) الموافقات ٢/ ١٥١ - ١٦٩. وراجع في عدم التسليم للشاطبي فيما قرَّره في هذه المقالة من عدم أخذ الأحكام الشرعية من المعاني التبعية ما سطره الشيخ دراز في تعليقاته على هذا الموضع من الموافقات، وما ذكره الدكتور محمود توفيق في سبل استنباط المعاني، ص ١١٨ - ١٣٠، وصاحب بحث الدلالة التبعية عند أبي إسحاق الشاطبي: حقيقتها وحجيتها، دراسة نظرية تأصيلية.