الضوء على هذا الركن الذي أقام عليه الشاطبي مشروعَه الفكري مع الركن الثاني مقاصد الشريعة.
الرابع: أن هذا العمل فيه تذكير وتنبيه لأهل الزمان على وجوب تحصيل علوم العربية لمن أراد أن يرتقي في علوم الشريعة وفَهم الكتاب والسُّنة على الوجه الذي أراده الشارع؛ إذ قد رأينا كثيرين ممن ينسُبون أنفسهم إلى الاشتغال بالعِلم قليلي الاعتناء بعلوم العربية، والمجتهد فيهم هو الذي يقنع فيها برتبة لا تؤهِّله إلى أن يكون مستقلَّ النظر في كلام الشارع، ولا أن يكون مؤهَّلًا لمجاراة العلماء في الحِجاج والنقاش، وهذا من علامات غلبة هوى النفس عليهم؛ فكلما قلَّ دين المرء وورعه وفَهْمه قلَّ صبرُه على تحصيل العِلم - لا سيما علوم الآلة؛ لأنها ليست كعلوم المقاصد التي ينال بها المرء حظَّه من الشهرة والتعظيم بين العامَّة - مع ازدياد جرأته على الكلام فيه.
ولو فرض أن ثمَّة طائفة عدمُ الاعتناء بعلوم العربية طريقٌ مَهْيَعٌ لأصحابها، فهي بهذا داخلة في الفرق المبتدعة ولا بُدَّ؛ إذ خالَفت في أصلٍ كليٍّ من أصول الشريعة اتفق عليه في الجملة كلُّ العلماء، بل هم بهذه الحال في الحقيقة أقرب إلى جهلة العوام المتكلِّمين في أمور الشرع، فالأولى في حقِّهم هو الحُكم عليهم بحُكم من يتكلَّم في الشريعة وهو جاهل بها، وهذا التقرير يدلُّ عليه كلامُ الشاطبي كما سيأتي ذكره في ثنايا المقالات.
الخامس: أن في هذه المقالات على هذه الهيئة تنبيهات على آفاق معرفية وموضوعات بحثية فيما يتعلَّق بهذا الحقل المعرفي؛ اللغوي الشرعي.