للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا ثبت وقوع الباء بمعنى "من" التبعيضية، وأنها مرادِفتُها ثبت أن الباء تقع للتبعيض ..... فيقرُب مذهب الشافعية في دعوى أن الباء في قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦] للتبعيض، كما لو قال: وامسحوا من رءوسكم. كما أن قوله: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٦] بمعنى: يشرب منها.

فإن قلت: من أين يتعيَّن في الآية أن الباء هي التي بمعنى "من"، ولعلها بمعنى آخَر كالإلصاق أو الاستعانة، ونحوهما، أو زائدة؟

قيل: هي عندهم متعيِّنة إذا دخلت على مفعول يتعدَّى إليه الفعل بنفسه، فإنك تقول: مسحتُ رأسي، ومسحتُ برأسي، فإذا لم تدخُل اقتضى مسحَ جميعِه، وإذا دخلت اقتضى مسحَ البعض.

قال الرازي (١): نحن نعلم بالضرورة الفرق بين أن تقول: مسحتُ يدي بالمنديل والحائط. وبين أن تقول: مسحتُ المنديل والحائطَ. في أن الأول يُفيد التبعيض، والثاني يفيد الشمول.

وقد اعتُرض على هذا بأمرين:

أحدهما: إمكان كونها زائدةً؛ لأن معنى الزيادة ممكن؛ إذ يقال: مسحتُ رأسي، و: مسحت برأسي على معنًى واحد.

والثاني: أن ابن جني ذكر أن كون الباء للتبعيض شيءٌ لا يعرفه أهل اللغة (٢).

وأمر ثالث وهو إمكان أن تكون للإلصاق، كأنه إلصاق المسح بالرأس، وقد قيل بهذا، كما أنه قد قيل بالزيادة.


(١) راجع مفاتيح الغيب ١/ ٩٦، ٩٧.
(٢) سر صناعة الإعراب ١/ ١٢٣.

<<  <   >  >>