للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي للابتداء وأن معناها: التي يقع بعدها الكلام سواءٌ كان ذلك متعلِّقًا بما قبله لم يتمَّ دونه أو لا يكون الأمر كذلك. فقال حدَّثني بعض الأصحاب: أنه سمع بمالَقة رجلًا يصلي أشفاع رمضان فقرأ من سورة الكهف إلى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٩]، فوقف هناك وركع وسجد، قال: ظننتُ أنه نسي ما بعدَه، ثم ركع وسجد حتى يتذكَّر بعد ذلك، ويُعيد أول الكلام، فلما قام من السجود ابتدأ القراءة بقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ﴾ [الكهف: ٩٠]، فلما أتمَّ الصلاة قلتُ له في ذلك: أليست "حتى" الابتدائية؟

قال القاضي: فيجب أن يفهم أن الاصطلاح في "حتى" وفي غيرها من حروف الابتداء ما ذكر" (١).

ومنه أيضًا ما "حُكي عن يوسف بن عبد الله بن مغيث أنه قال: أدركتُ بقُرطبة مُقرِئًا يُعرف بالقُرشي، وكان لا يُحسن النحو، فقرأ عليه قارئُ يومًا: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ [ق: ١٩]، فرَّد عليه القرشي: (تحيدٌ) بالتنوين، فراجعه القارئ، وكان يُحِسن النحو، فلجَّ عليه المُقرئ، وثبت على التنوين، فانتشر الخبرُ إلى أن بلغ يحيى بن مجاهد الألبيري الزاهد، وكان صديقًا لهذا المقرئ، فنهض إليه، فلما سلَّم عليه، وسأله عن حاله قال له ابن مجاهد: إنه بعُد عهدي بقراءة القرآن على مقرئ، فأردتُ تجديد ذلك عليك فأجابه إليه، فقال: أريد أن أبتدئ بالمُفصَّل؛ فهو الذي يتردَّد في الصلوات، فقال له المقرئ: ما شئتَ.


= العلوم اللسانية في الأندلس، وكان إمامًا في الفقه والحديث، يحتفي به الشاطبي جدًّا، توفي سنة ٧٦١ هـ. راجع: نفح الطيب ٥/ ١٨٩ - ١٩٩؛ المقاصد الشافية ٩/ ٤٨٨؛ الإفادات والإنشادات،٨٩، ١٠١، ١٢٥.
(١) الإفادات والإنشادات، ص ١٢٥.

<<  <   >  >>