للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنها، ولا يشركها فيه إلا مَن اتبعها في تعلُّمه منها، ومَن قبله منها فهو من أهل لسانها، وإنما صار غيرُهم من غير أهله بتركه، فإذا صار إليه صار من أهله" (١).

هذا ما قال، ولا يُخالِف فيه أحدٌ، فإذا كان الأمر على هذا لزم كلُّ مَن أراد أن ينظُر في الكتاب والسُّنة أن يتعلَّم الكلام الذي به أُدِّيت، وأن لا يُحسِن ظَنَّه بنفسه قبل الشهادة له من أهل عِلم العربية بأنه ممن يستحِقُّ النظر، وأن لا يستقِلَّ بنفسه في المسائل المشكلة التي لم يُحط بها عِلمُه دون أن يسأل عنها مَن هو من أهلها، فإن ثبت على هذه الوَصَاة كان إن شاء الله مُوافِقًا لما كان عليه رسول الله وأصحابه الكرام" (٢).

قلتُ: يحتاج كلام الشاطبي السابق إلى التنبيه على موضعَين فيه:

الموضع الأول: أنه لم يذكر ضمن علوم العربية المشترَطةِ في المجتهد - التي ذكرها - عِلمَ أصول العربية، وهو ضروري؛ إذ هو بالنسبة لهذه العلوم كأصول الفقه بالنسبة للفقه؛ ولا يكون الفقيه فقيهًا مستقِلًّا مجتهدًا إلا بعِلمه بأصول الفقه، فكذلك النحوي والتصريفي والبياني إلخ لا يكون عالمًا بعِلمه على الكمال والحقيقة إلَّا إذا كان عالمًا بأصول العربية.

والجواب عن ذلك من جهتين:

الأولى: أن هذا بدهي لا يحتاج إلى تنبيه؛ إذ من المقرَّر عند أهل العِلم جميعًا أن غير العالم بأصول العِلم الذي يشتغل به لا يقال عنه: إنه عالمٌ به على


(١) الرسالة ٤٢ - ٤٤.
(٢) الاعتصام ٣/ ٢٥٧ - ٢٦٠.

<<  <   >  >>