للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيها، ولكنه يخفى عليه الأمرُ في بعض الأوقات، فالأَولى في حقِّه الاحتياط؛ إذ قد يذهب على العربي المحض بعضُ المعاني الخاصة حتى يسأل عنها، وقد نُقِل من هذا عن الصحابة ، وهم العرب! فكيف بغيرهم؟

نُقل عن ابن عباس أنه قال: كنتُ لا أدري ما: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الشورى: ١١] حتى أتاني أعرابيَّان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطَرتُها أي: أنا ابتدأتُها (١).

وفيما يُروى عن عمر بن الخطاب أنه سأل وهو على المنبر عن معنى قوله تعالى: ﴿يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧]، فأخبرَه رَجُلٌ من هُذَيل أن التخوُّف عندهم هو التنقُّصُّ (٢). وأشباه ذلك كثير.

قال الشافعي: "لسانُ العرب أوسعُ الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا" قال: "ولا نعلَمه يُحيط بجميع عِلمه إنسانٌ غيرُ نبيٍّ، ولكنه لا يذهب منه شيءٌ على عامَّتها حتى لا يكون موجودًا فيها من يعرفه"، قال: "والعِلم به عند العرب كالعِلم بالسُّنة عند أهل العِلم؛ لا نعلم رجُلًا جمع السُّنن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جُمِعَ عِلم عامة أهل العِلم بها أتى على السُّنن كلِّها، وإذا فُرِّق عِلم كلِّ واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه منها موجودًا عند غيرِه ممن كان في طبقته وأهل عِلمه"، قال: "وهكذا لسان العرب عند خاصتها وعامَّتها، لا يذهب منه شيءٌ عليها، ولا يُطلَب عند غيرها، ولا يعلَمه إلا مَن نقَله


(١) أخرجه أبو عبيد في: فضائل القرآن ص ٣٤٥. قال ابن كثير في: فضائل القرآن، ص ١٢٥: "إسناده جيد".
(٢) أخرجه بنحوه ابن جرير في جامع البيان ١٤/ ٢٣٦؛ وراجع: فتح الباري، لابن حجر، ٨/ ٣٨٦.

<<  <   >  >>