للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[و] الكوفيون لم يعتبِروا هذا الأصل، بل تلقَّوا كلَّ ما جاء في كلام أو شِعر نادرًا أو شهيرًا، فقاسوا عليه وُجِد له معارِض أولم يوجد، فلم يلتفتوا إلى المعارِض، وبسبب ذلك اتسع عندهم نطاق القياس، وانخرَمت عليهم أشياء من الضوابط الاستقرائية.

ولما رأى أهل التحقيق البناء على مثل هذه الأصول المحقَّقة الاستقرائية مطَّردًا عند الخليل وسيبويه، وغير مطَّرد عند الكوفيين - اعتمدوا على قياسهما، واعتمدوا على نقلهما وتحقيقهما، ونِعمَّا فعلوا" (١).

ومما يُقال في وجه القول بأن وصفَ بعض ما جاء في القرآن بالشذوذ وعدمِ القياس لا يعني عدم المراعاة للفظ القرآن أو الإخراج له عن الفصاحة - هو أنه "قد تكون للمعنى عبارتان أو أكثرُ منهما؛ واحدةٌ يلزَم فيها ضرورة، إلا أنها مطابِقة لمقتضى الحال ومُفصِحة عنه على أو في ما يكون، والتي صحَّ قياسُها ليست بأبلَغَ في ذلك من الأخرى، ولا مِرية في أنهم في هذه الحال يرجعون إلى الضرورة؛ إذ كان اعتناؤهم بالمعاني أشدَّ من اعتنائهم بالألفاظ، وقد بوَّب ابن جني على هذا (٢).

وإذا ظهر لنا نحن في موضع أن ما لا ضرورة فيه يصلح هنالك، فمِن أين يُعلَم أنه مطابق لمقتضى الحال، أو أنه أبلغُ فيما قصد من المبالغة في البيان والإفصاح؟ لا سبيلَ إلى معرفة ذلك في أكثر المواضع، والحاضرُ أبصرُ من الغائب، فلا تجويز لما لا تُعلَم حقيقتُه.


(١) المقاصد الشافية ٥/ ٢٩٣، ٢٩٤.
(٢) في: الخصائص ١/ ٢١٦.

<<  <   >  >>