القصدَين، إلا أن يتصدَّى لُغويًّا محضًا كشُرَّاح شواهد سيبويه وأمثلته وما جرى مجرى ذلك، فخُذ هذا أصلًا في معناه تنتفع به إن شاء الله" (١).
وهذا "سؤالٌ واردٌ على جميع مَن تكلَّم في حصر معاني … الحروف حتى إن باب حروف الجرِّ صار غالب ما يُذكَر فيه تفسيرَ معانيها؛ بحيث صارت الأحكام المتعلِّقة بها في القياس أقلية بالنسبة إلى تفسير المعاني، ولا شكَّ أنَّ هذا نِحلة اللغوي لا نِحلة النحوي من حيث هو نحوي، فمَن تعرَّض لتفسير معاني الحروف وصيَّرها كالأمر الضروري في صناعة النحو فليتعرَّض لتفسير معاني الأسماء والأفعال، وحينئذٍ يصير لُغويًّا لا نحويًّا، أو ليترُك تفسيرَ الجميع حتى يكون نحويًّا فقط، وهو الأحقُّ؛ لأنَّ غيره تخليط لبعض العلوم ببعض.
فالجواب عن هذا [كما تقدَّم]: أنَّ حروف المعاني على الجملة مما يُحتاج في إدراك حقائق معانيها إلى قياس ونظرٍ، كما يُحتاج في سائر أبواب النحو إلى القياس والنظر لتمييز الصواب من الخطأ، وهذا النحو ليس على وضع تفسير الغريب؛ إذ كنتَ تفسِّر الشيء بمرادفه فقط.
وأيضًا تفسيرُها يصعُب؛ لأنها تدُور بين المولَّدِين والعرب على معنًى واحد لشدة الحاجة إلى معانيها، فتفسيرها أشدُّ من تفسير الغريب؛ لأن الغريب له ما يُساويه من اللفظ المعروف للمعنى الواحد، فإذا طُلب ذلك وُجد ما يقوم مَقامه، فيُفسَّر به، ولأنه قد كان يُستغنى به عن الغريب العربي.
وأما الحروف فليست كذلك؛ لأنها تجري في كلام العرب والمولَّدِين سواء، فليس في كلام المولَّدِين ما يُستغنى به عنها، كما كان في الأسماء والأفعال،