للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان كلام الشارع قد نزل على هذا المعهود، وجب أن يكون "الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم؛ بِناءً على أن العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني، وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها، وهذا الأصل معلومٌ عند أهل العربية، فاللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد، والمعنى هو المقصود، ولا أيضًا كلُّ المعاني، فإن المعنى الإفرادي قد لا يُعبأ به إذا كان المعنى التركيبيُّ مفهومًا دُونه" (١)، فـ "عندَ الأئمة … المقصودُ الأعظم … هو المعنى؛ لتلقِّي الأحكام الشرعية" (٢).

وأيضًا "فإن العرب تراعي أحكام اللفظ، وتحافظ في التقديرات على ما يليق بها" (٣)، فـ "معهودُ العرب أن لا تُراعي (٤) الألفاظ تعبُّدًا عند محافظتها على المعاني، وإن كانت تُراعيها أيضًا، فليس أحد الأمرَين عندها بملتزَم، بل قد تبني على أحدهما مرة، وعلى الآخَر أخرى، ولا يكون ذلك قادحًا في صحة كلامها واستقامته، والدليل على ذلك أشياء:

أحدها: خروجها في كثير من كلامها عن أحكام القوانين المطَّرِدة والضوابط المستمرة، وجريانها في كثير من منثورها على طريق منظومها وإن لم يكن بها حاجة، وتركُها لما هو أَولى في مراميها، ولا يُعَدُّ ذلك قليلًا في كلامها ولا ضعيفًا، بل هو كثيرٌ قويٌّ، وإن كان غيرُه أكثرَ منه.


(١) الموافقات ٢/ ١٣٨، ١٣٩.
(٢) المقاصد الشافية ٣/ ٤٠١.
(٣) السابق، ٣/ ٥٠٠.
(٤) في النشرة المعتمدة: "ترى"، والمثبت من نشرة (أيت) ٣/ ١٨٦، وهو الموافق لقوله بعده: "وإن كانت تراعيها ...... ".

<<  <   >  >>