للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: أن من شأنها الاستغناء ببعض الألفاظ عما يُرادفها أو يُقاربها، ولا يُعَدُّ ذلك اختلافًا ولا اضطرابًا إذا كان المعنى المقصود على استقامة، والكافي من ذلك نزول القرآن على سبعة أحرُف، كلُّها شافٍ كافٍ، وفي هذا المعنى من الأحاديث وكلام السلف العارفين بالقرآن كثيرٌ.

وقد استمرَّ أهل القراءات على أن يعملوا بالروايات التي صحَّت عندهم مما وافَق المصحف، وأنهم في ذلك قارئون للقرآن من غير شكٍّ ولا إشكال، وإن كان بين القراءتين ما يعُدُّه الناظر ببادئ الرأي اختلافًا في المعنى؛ لأن معنى الكلام من أوله إلى آخره على استقامة لا تفاوُت فيه بحسب مقصود الخطاب، كـ: ﴿مَالِكِ﴾ و: (مَلِك) (١)، ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ [البقرة: ٩]، (وما يُخادعون إلا أنفسهم) (٢)، ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا﴾ [العنكبوت: ٥٨]، (لنُثْوِيَنهم من الجَنَّةِ غُرَفًا) (٣).

إلى كثير من هذا؛ لأن جميع ذلك لا تفاوُت فيه بحسب فهم ما أُريد من الخطاب، وهذا كان عادة العرب؛ ألا ترى ما حكى ابن جني عن عيسى بن عمر، وحكاه غيرُه أيضًا (٤)، قال: سمعت ذا الرُّمَّة يُنشِد (٥): [الطويل]

وظَاهِرْ لها من يابِسِ الشَّخْتِ واستعِنْ … عليها الصَّبا واجْعَل يَدَيْكَ لها سِترًا


(١) هي قراءة غير عاصم والكسائي. راجع: الإقناع في القراءات السبع ٢/ ٥٩٥.
(٢) هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو. راجع: الإقناع ٢/ ٥٩٧.
(٣) هي قراءة حمزة والكسائي. راجع: الإقناع ٢/ ٧٢٧.
(٤) حكاه أبو عبيد القاسم في: الغريب المصنف ٢/ ٤٥٩؛ وابن قتيبة في غريب الحديث ١/ ٤٠٥.
(٥) ديوان ذي الرمة ٣/ ١٤٣٠.

<<  <   >  >>