للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلت: أنشدتَني: "من بائس"، فقال: "يابس" و"بائس" واحد.

فأنت ترى ذا الرُّمَّة لم يعبأ بالاختلاف بين البؤس واليُبْس لمَّا كان معنى البيت قائمًا على الوجهين وصوابًا على كلتا الطريقتين، وقد قال في رواية أبي العباس الأحول: "البؤس واليُبْس واحد"، يعني: بحسب قصد الكلام، لا بحسب تفسير اللغة.

وعن أحمد بن يحيى (١)، قال: أنشدني ابن الأعرابي (٢): [الطويل]

وموضعِ زَبْنٍ لا أريد مَبِيتَهُ … كأَنِّي به من شِدَّةِ الرَّوعِ آنِس

فقال له شيخ من أصحابه: ليس هكذا أنشدتنا، وإنما أنشدتنا: "وموضع ضَيق".

فقال: سبحان الله! تصحبُنا منذ كذا وكذا، ولا تعلم أن الزبن والضيق واحد (٣)؟!

وقد جاءت أشعارهم على روايات مختلفة، وبألفاظ متباينة، يُعلَم من مجموعها أنهم كانوا لا يلتزمون لفظًا واحدًا على الخصوص، بحيث يُعَدُّ مُرادِفه أو مُقارِبه عيبًا أو ضعفًا، إلا في مواضع مخصوصة لا يكون ما سواه من المواضع محمولًا عليها، وإنما معهودُها الغالب ما تقدَّم.

والثالث: أنها قد تُهمِل بعض أحكام اللفظ وإن كانت تعتبره على الجملة، كما استقبحوا العطف على الضمير المرفوع المتصل مطلقا، ولم يُفرِّقوا بين ما له لفظ وما ليس له لفظ، فقبُح "قمتُ وزيدٌ" كما قبُح "قام وزيدٌ".


(١) ثعلب.
(٢) المفضليات، ص ٢٢٤، للمُرَقِّش الأكبر.
(٣) الخصائص ٢/ ٤٦٩.

<<  <   >  >>