للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجمعوا في الرِّدْف (١) بين "عمود" و"يعود" من غير استكراه، وواو "عُمود" أقوى في المدِّ.

وجمعوا بين "سعيد" و"عمود" مع اختلافهما، وأشباه ذلك من الأحكام اللطيفة التي تقتضيها الألفاظ في قياسها النظري، لكنها تُهمِلها وتوليها جانب الإعراض، وما ذلك إلا لعدم تعمُّقها في تنقيح لسانها.

والرابع: أن الممدوح من كلام العرب عند أرباب العربية ما كان بعيدًا عن تكلُّف الاصطناع، ولذلك إذا اشتغل الشاعر العربي بالتنقيح اختُلف في الأخذ عنه، فقد كان الأصمعي يعِيب الحطيئة، واعتذَر عن ذلك بأن قال: "وجدتُ شِعرَه كلَّه جيِّدًا، فدلَّني على أنه كان يصنعه، وليس هكذا الشاعر المطبوع، إنما الشاعر المطبوع الذي يرمي بالكلام على عواهنه؛ جيِّدِه على رديئه" (٢)، وما قاله هو الباب المنتهَج والطريقُ المَهْيَع عند أهل اللسان.

وعلى الجملة، فالأدلة على هذا المعنى كثيرة، ومَن زاوَل كلام العرب وقف من هذا على عِلم.

وإذا كان كذلك، فلا يستقيم للمتكلِّم في كتاب الله أو سُنَّة رسول الله أن يتكلَّف فيهما فوقَ ما يسَعُه لسان العرب، وليكن شأنُه الاعتناءَ بما شأنُه أن تعتني العرب به، والوقوفَ عند ما حدَّتْه" (٣).

* * *


(١) من مصطلحات علم القافية، ويعني: ألِفٌ أو ياءٌ أو واوٌ سواكن قبل حروف الرَّوِي معه.
راجع: الكافي في العروض والقوافي، ص ١٥٣، ١٥٤.
(٢) راجع: الخصائص ٣/ ٢٨٤.
(٣) الموافقات ٢/ ١٣١ - ١٣٥.

<<  <   >  >>