للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلتُ: علَّق محقِّق النشرة المغربية لـ "الموافقات" على قول أبي إسحاق الشاطبي: "وما ذلك إلا لعدم تعمُّقها في تنقيح لسانها" السابق، بقوله: "هذه دعوى بلا دليل، بل المقطوع به أنها لا تفرِّق إلا لملحظ دقيق ترعاه، ولا تجمع حين تجمع إلا لذلك أيضًا، فمن أراد معرفة ذلك من كلامها؛ فعليه بـ "الخصائص" لابن جني" (١).

وهذا الاعتراض في غاية الغرابة، والسبب هو أنه لا علاقة له بما يريد الشاطبي بيانَه، والذي ألجأ المعتِرض إلى هذا هو عدم فهم مراد أبي إسحاق من كلامه؛ فالشاطبيُّ يُقرِّر فيه أن العرب قد تُهمِل بعض أحكام اللفظ، فتأتي به على خلاف القياس في كلامها - وهذا من المقطوع به في عِلم العربية وأصوله -؛ وهذا لأن المعنى مفهوم مستقيم في الجملة، وهو المقصد الرئيس للعرب من كلامها الذي أقام كلَّ كلامه السابق من أجل بيانه وتقريره، فأراد أن يُبيِّن أنها لم تتعمَّق في إصلاح الأحكام اللفظية؛ بمعنى أنها لم تراعِه على كلِّ حال وفي كلِّ موضع، بل تتركه في مواضع ولا تبالي بذلك؛ فتخرُج به عن قياس كلامها؛ ولهذا وجدنا في كلامها الخارج عن القياس وإن كان في غير الأصول وما عليه العامة والجمهور - كما يقول ابن جني (٢) -؛ لأن الغرض الأعظم متحقِّق، وهو استقامة المعنى وسلامته.

وقوله: "هذه دعوى بلا دليل" إنما هو على ما فَهِمه خطأً من مراد الشاطبي من كلامه، على أن الشاطبي بالفعل لم يذكر الدليل على ما قرَّره وفق فهمنا


(١) الموافقات نشرة (أيت) ٣/ ١٩٣، هامش رقم (٤١٦٧).
(٢) راجع: الخصائص ١/ ٢٤٥.

<<  <   >  >>