للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحيح لكلامه، وإنما لم يذكره لأنه مما هو مقطوع به في عِلم أصول العربية كما قلتُ، وما كان هذا شأنه يكفي ذِكرُه على أنه مُسلَّم من أهله، لا أنه يقوم بتقريره كما يُقرِّرونه؛ من جهة التصحيح والاستدلال، فهذا من فضل العِلم ومُلَحه، والانشغالُ به غير محتاج إليه، وهذا أصل من الأصول التي اعتمدها الشاطبي في كلِّ كتبه عمليَّا، ونصَّ عليه في "الموافقات" في قوله:

"ويُتصوَّر ذلك [أي: تحوُّل ما هو من صلب العِلم إلى ما هو من مُلَحه] في خلط بعض العلوم ببعض، كالفقيه يبني فقهَه على مسألة نحوية مثلًا، فيرجع إلى تقريرها مسألة - كما يُقرِّرها النحوي - لا مقدِّمة مُسلَّمة، ثم يردُّ مسألته الفقهية إليها، والذي كان من شأنه أن يأتي بها على أنها مفروغ منها في عِلم النحو فيبني عليها، فلما لم يفعل ذلك، وأخذ يتكلَّم فيها وفي تصحيحها، وضبطها، والاستدلال عليها، كما يفعله النحوي؛ صار الإتيان بذلك فضلًا غير محتاج إليه، وكذلك إذا افتقَر إلى مسألة عددية؛ فمن حقِّه أن يأتي بها مُسلَّمة ليُفرِّع عليها في عِلمه، فإن أخذ يبسُط القول فيها كما يفعله العدديُّ في عِلم العَدَد، كان فضلًا معدودًا من المُلَح إن عُدَّ منها، وهكذا سائر العلوم التي يخدم بعضها بعضًا" (١).

ومن هذا الباب أيضًا اعتراض الدكتور محمود توفيق على الشاطبي في استدلاله على أن العرب لا ترى الألفاظ تعبُّدًا عند محافظتها على المعاني؛ بأنها تخرج في كثير من إلخ. وأن من شأنها الاستغناء ببعض الألفاظ إلخ.

فقد ذكر الدكتور عن الأمر الأول أن هذا موجود بالفعل في كلام العرب لأسباب ترجع إلى الحاجة والعجز عن الاستيفاء والتدقيق، وأن الذي دعاها


(١) الموافقات ١/ ١٢٣.

<<  <   >  >>