للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأخرى: ترجع إلى نفس الحُكم الشرعي.

فالأُولى: نظرية، وأعني بالنظرية هنا ما سوى النقلية؛ سواءٌ علينا أثبَتَت بالضرورة أم بالفكر والتدبُّر، ولا أعني بالنظرية مقابل الضرورية.

والثانية: نقلية، وبيانُ ذلك ظاهر في كلِّ مطلب شرعي، بل هذا جارٍ في كلِّ مطلب عقلي أو نقلي؛ فيصحُّ أن نقول: الأُولى راجعة إلى تحقيق المناط، والثانية راجعة إلى الحُكم … ، فإذا قلتَ: إن كلَّ مسكرٍ حرام؛ فلا يتمُّ القضاء عليه حتى يكون بحيث يُشار إلى المقصود منه ليُستعمَل أو لا يُستعمَل؛ لأن الشرائع إنما جاءت لتحكُم على الفاعلين من جهة ما هم فاعلون، فإذا شرَع المكلَّفُ في تناول خمر مثلًا؛ قيل له: أهذا خَمْرٌ أم لا؟ فلا بُدَّ من النظر في كونه خمرًا أو غير خمر، وهو معنى تحقيق المناط، فإذا وُجِد فيه أمارةُ الخمر أو حقيقتُها بنظر معتَبر؛ قال: نعم، هذا خمر. فيقال له: كلُّ خمر حرامُ الاستعمال. فيجتنِبه، وكذلك إذا أراد أن يتوضأ بماء؛ فلا بُدَّ من النظر إليه: هل هو مُطلَق أم لا؟ وذلك برؤية اللون، وبذوق الطعم، وشمِّ الرائحة، فإذا تبيَّن أنه على أصل خِلقته؛ فقد تحقَّق مناطُه عندَه، وأنه مُطلَق، وهى المقدِّمة النظرية، ثم يُضيف إلى هذه المقدِّمة ثانية نقلية، وهي أن كلَّ ماء مُطلَق؛ فالوضوءُ به جائز، وكذلك إذا نظر: هل هو مُخاطَب بالوضوء أم لا؟ فيُنظَر: هل هو محدِث أم لا؟ فإن تحقَّق الحدَثَ؛ فقد حُقِّق مناطُ الحُكم، فيرِد عليه أنه مطلوب بالوضوء، وإن تحقَّق فقْدَه؛ فكذلك؛ فيرِد عليه أنه غير مطلوب الوضوء، وهي المقدِّمة النقلية.

فالحاصل أنَّ الشارع حكَم على أفعال المكلَّفين مُطلَقة ومُقيَّدة، وذلك مقتضى إحدى المقدِّمتين، وهي النقلية، ولا يُنزَّل الحُكم بها إلا على ما تحقَّق أنَّه

<<  <   >  >>