للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سُمِع، أو نفْيَ السماع من حيث لم يبلُغ النافي ذلك - سَهلٌ يسير؛ لأنه نقلٌ وإخبارٌ عن أمرٍ محسوس لا يُنكره عاقل.

وأما إثباتُه أو نفيه من جهة ما يُقاس عليه أو لا يُقاس، فليس بالسهل ولا باليسير، فالذين اعتنوا بالقياس والنظر فيما يُعَدُّ من صُلب كلام العرب وما لا يُعَدُّ لم يُثبتوا شيئًا إلا بعد الاستقراء التام، ولا نفوه إلا بعد الاستقراء التام، وذلك كلُّه مع مزاولة العرب ومُداخلة كلامها وفهم مقاصدها، إلى ما ينضَمُّ إلى ذلك من القرائن ومقتضيات الأحوال التي لا يقوم غيرُها مَقامها، فبَعدَ هذا كلِّه ساغ لهم أن يقولوا: هذا يُقاس، وهذا لا يُقاس. هذا يقوله من لا يقول كذا. و: هذا مما استُغني عنه بغيره، إلى غير ذلك من الأحكام العامة التي لا يُفضي بها إلا مَن اطلع على مآخذ العرب، وعرف مآل مقاصدها. وهذا أمرٌ مقطوع به عند أرباب هذا الشأن، ومَن فهم كلام الأئمة في تواليفهم لم يَخْفَ عليه ما ذكر" (١).

فالقاعدة العامة في الوضعيات "أن الأمر العام والقانون الشائع … لا تنقُضه الأفراد الجزئية الأقلية؛ لأن الكلية إذا كانت أكثرية في الوضعيات انعقدت كليةً، واعتُمدت في الحكم بها وعليها، شأنَ الأمور العادية الجارية في الوجود، ولا شك أن ما اعترض به من ذلك قليل، يدلُّ عليه الاستقراء؛ فليس بقادح فيما تأصل" (٢)، "ولما كان قصد الشارع ضبطَ الخَلْق إلى القواعد العامة، وكانت العوائدُ قد جرت بها سُنَّة الله أكثريةً لا عامةً، وكانت الشريعةُ موضوعة على مقتضى ذلك الوضع، كان من الأمر المُلتفَت إليه إجراءُ القواعد على العموم


(١) المقاصد الشافية ٤/ ٤٩٢، ٤٩٣.
(٢) الموافقات ٤/ ١٧٥.

<<  <   >  >>