للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا الاعتناء من العلماء ببيان أهمية العربية وتأكيد التنبيه عليها في ثنايا كتبهم على تنوُّعها، كلُّ أهل فنٍّ لا تكاد كتبهم تخلو من هذا إما نصًّا وإما إشارةً وإما إيماءً، ثم إفرادهم التصانيف والتواليف في بيان هذه الأهمية - إنما كان ذلك منهم لمعرفتهم عِظَم خطرها واشتداد مسيس الحاجة إليها في الشريعة؛ فإن قاعدة الشرع أن الشيء إذا عَظُم قدره شُدِّد فيه، وكثُر التنبيه عليه، وبُسِط الكلام فيه (١).

ومن تأمَّل حال علماء الشريعة وجَد أن الواحد منهم كلما زاد عِلمه ورسوخُه في العربية زاد فَهمُه لكلام الشارع وبصرُه بمراميه ومقاصده، وما علَت رتبة الشافعي على غيره من الأئمة إلا بالعربية، وهو أول من صنَّف في الأصول في "الرسالة" المشهورة، وقد نبَّه فيها على منزلة العربية من الشريعة وعظيم مكانها منها (٢)؛ ولهذا فإن كلَّ أتباع مذهب إمام من الأئمة المتبوعين كانوا حريصين - وهو حقٌّ، أعني أصل التنبيه - على بيان تقدُّم إمامهم في العربية والذَّبِّ عنه فيما يُوهِم بخلاف ذلك (٣).


(١) راجع الفروق، للقرافي ٣/ ٢٥٣.
(٢) راجع: الرسالة ٤٠ - ٥٣.
(٣) راجع: أحكام القرآن، لأبي بكر بن العربي ١/ ٤١٠، ٤١١؛ مناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي، ص ٦٦٨. وأما ما يقال بشأن الإمام أبي حنيفة في هذا فهو كلام ساقط جملةً وتفصيلًا كما بيَّنتُه بالتفصيل في كتاب: "مَن نُسب إلى الضَّعف في العربية أو التقصير من الأعلام والمشاهير"، يسَّر الله نشره، ولولا أن ما نُسب إلى الإمام مسطور في بعض الكتب، وأن بعض الجهلة المبتدعة قد أطلقوا لسانهم في الإمام في أيامنا هذه، وأن كلامنا فيه بعض الفوائد والتنبيهات المهمة = ما كان ينبغي عند أهل العقل والعِلم النظر في هذا الذي قيل في الإمام بَلْهَ أن يُفرَد بالردِّ والمناقشة.

<<  <   >  >>