للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجاء الأمُر بالإتمام لذلك، وإنما جاء إيجاب الحج نصًّا في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: ٩٧]، وإذا عُرِف هذا عُلِم بيُسر (١) هل في الآية دليلٌ على إيجاب الحج أو إيجاب العُمرة، أم لا؟

والثاني: قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، نُقِل عن أبي يوسف أن ذلك في الشِّرك؛ لأنهم كانوا حديثي عهد بكفر؛ فيريد أحدُهم التوحيد، فيَهِم فيُخطئ بالكفر؛ فعفا لهم عن ذلك كما عفا لهم عن النُّطق بالكفر عند الإكراه، قال: "فهذا على الشِّرك، ليس على الأيمان في الطلاق والعِتاق والبيع والشراء؛ لم تكن الأيمان بالطلاق والعتاق في زمانهم".

والثالث: قوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٥٠]، ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك: ١٦] وأشباهُ ذلك، إنما جرى على معتادهم في اتخاذ الآلهة في الأرض، وإن كانوا مقرِّين بإلهية الواحد الحقِّ، فجاءت الآيات بتعيين الفوق وتخصيصه؛ تنبيهًا على نفى ما ادَّعوه في الأرض؛ فلا يكون فيه دليل على إثبات جهة البتةَ (٢)؛ ولذلك قال تعالى: ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦]؛ فتأمَّلْه، واجرِ على هذا المجرى في سائر الآيات والأحاديث.


(١) قوله: "عُلم بيسر" في النشرة المعتمدة: "تبيَّن"، والمثبت من نشرة (أيت)، ٤/ ٧٠٣، وهو الأليق بالمعنى والسياق.
(٢) هذا المثال على هذا الأصل الذي ذكره الأستاذ أبو إسحاق هنا صحيح ولو احتمالًا، وقد تقرَّر أن المثال لا يُعترَض؛ لأن المراد منه إيضاح معنى القاعدة، ولذا جاز المثال بالمحتمل. ولهذا فالتوسُّع في مناقشة أبي إسحاق في مسألة المثال تزيُّدٌ يفعل مِثلَه أهل التنطُّع الذين يسوِّدون هوامش تحقيقات الكتب بمباحث أجنبية عن أصل ما يُتكلَّم فيه، والشأنُ في هذا - إن رأى المحقِّق ضرورة التعليق - أن يُحيل على فن المسألة، وهو هنا عِلم الكلام وإن كانت الإحالة - فيما أرى - تزيُّدًا أيضًا غيرَ محتاج إليها؛ لأن هذه المسألة من المسائل الطُّبوليَّات.

<<  <   >  >>