وهؤلاء من أهل الكلام، هم النابذون للمنقولات اتباعًا للرأي، وقد أدَّاهم ذلك إلى تحريف كلام الله بما لا يشهد للفظه عربيٌّ، ولا لمعناه برهانٌ كما رأيتَ، وإنما أكثرتُ من الأمثلة وإن كانت من الخروج عن مقصود العربية والمعنى على ما علِمتَ؛ لِتكون تنبيهًا على ما وراءها مما هو مِثلُها أو قريبٌ منها.
… وكون الباطن هو المراد من الخطاب … يُشترَط فيه شرطان:
أحدهما: أن يصِحَّ على مقتضى الظاهر المقرَّر في لسان العرب، ويجري على المقاصد العربية.
والثاني: أن يكون له شاهدٌ نصًّا أو ظاهرًا في محلٍّ آخَر يشهَد لصحته من غير معارِض.
فأما الأول، فظاهر من قاعدة كون القرآن عربيًّا؛ فإنه لو كان له فهم لا يقتضيه كلام العرب؛ لم يُوصَف بكونه عربيًّا بإطلاق، ولأنه مفهوم يُلصَق بالقرآن ليس في ألفاظه ولا في معانيه ما يدلُّ عليه، وما كان كذلك؛ فلا يصِحُّ أن يُنسَب إليه أصلًا؛ إذ ليست نسبتُه إليه على أن مدلوله أولى من نسبة ضده إليه، ولا مرجِّح يدلُّ على أحدهما؛ فإثباتُ أحدهما تحكُّمٌ وتقوُّلٌ على القرآن ظاهرٌ، وعند ذلك يدخُل قائلُه تحت إثم مَن قال في كتاب الله بغير عِلم، والأدلةُ المذكورة في أن القرآن عربي جارية هنا.
وأما الثاني؛ فلأنه إن لم يكُن له شاهدٌ في محلٍ آخر أو كان له معارِض، صار من جملة الدعاوي التي تُدَّعى على القرآن، والدعوى المجرَّدة غيرُ مقبولة باتفاق العلماء.