للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقول في الأمر الآتي للتهديد أو التوبيخ، كقوله: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] وقوله: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩].

فإن مثل هذا لم يُقصَد به الأمر، وإنما هو مبالغةٌ في التهديد أو الخزي؛ فلذلك لم يُقبَل أن يؤخذ منه حُكم في باب الأوامر، ولا يصحُّ أن يؤخذ.

وكما نقول في نحو: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف: ٨٢]: إن المقصود: سَلْ أهل القرية. ولكن جُعِلت القرية مسئولة؛ مبالغةً في الاستيفاء بالسؤال أو غير ذلك، فلم يَنْبَنِ على إسناد السؤال للقرية حُكم.

وكذلك قوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [هود: ١٠٧]- بِناءً على القول بأنهما تفنيان، ولا تدومان - لما كان المقصودُ به الإخبارَ بالتأبيد لم يؤخذ منه انقطاع مُدة العذاب للكفار.

إلى أشياء من هذا المعنى لا يؤتى على حصرها.

وإذا كان كذلك، فليس لها من الدلالة على المعنى الذي وُضعت له أمرٌ زائد على الإيضاح والتأكيد والتقوية للجهة الأولى؛ فإذًا ليس لها خصوص حُكم يؤخذ منها زائدًا على ذلك بحال.

والثاني: أنه لو كان لها موضع خصوص حُكمٍ يُقرَّر شرعًا دون الأُولى لكانت هي الأولى؛ إذ كان يكون تقرير ذلك المعنى مقصودًا بحق الأصل، فتكون العبارة عنه من الجهة الأُولى لا من الثانية، وقد فرضناه من الثانية، هذا خُلف لا يمكن.

لا يقال: إن كونها دالة بالتبع لا ينفي كونها دالة بالقصد وإن كان القصد ثانيًا، كما نقول في المقاصد الشرعية: إنها مقاصد أصلية ومقاصد تابعة،

<<  <   >  >>