للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدرة أكثر ما يظهر سلطانها في اليد، وتثنيته عبارة عن القدرة الكاملة، فالغرض من التثنية التنبيه على الكمال، فإن في إعمال اليدين في الأثر زيادةً ليست في واحدة.

وتخصيص خلق آدم بذلك مع أن الكل مخلوق بقدرته تعالى تشريف وتكريم له، كما أضاف الكعبة إلى نفسه في قوله: ﴿أَنْ طَهِرَا بَيْتِيَ﴾ [البقرة: ١٢٥] للتشريف، مع أنه تعالى مالك للمخلوقات كلها، والحديث من هذا القبيل،


= صرف له إلى معنى آخر غير الظاهر من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف، وأن السلف كانوا يعلمون معاني الصفات، ويفرّقون بينها، بحسب ما دلّت عليه مما تعرفه العرب في لسانها، فالعلم غير الحياة، والاتيان غير الإستواء على العرش، واليد غير الوجه، وهكذا سائر الصفات، فكيفية الصفات مجهولة للعباد، ومعاني الصفات معلومة من لسان العرب ولغتها، والإيمان بالصفة كما أخبر الله بها واجب، وفي هذا الحديث إثبات اليد والأصابم لله حقيقة، وإن تأويلها بالنعمة أو القدرة ونحوها باطل.
ومن تأمل جواب الإمام مالك بن أنس لمن سأله عن كيفية الاستواء على العرش، فقال: "الكيف غير معلوم، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، تبينت له حقيقة ما ذكرت.
إن الله خاطبنا بلسان عربي مبين وبما نفهمه ونعقل معناه. والأصل في الكلام أن يجرى على ظاهره، فنحن نعلم معاني صفات الرب سبحانه، ولا نعلم كيفيتها ونقطع بأنها لا تماثل صفات المخلوقين، ولم يزل الأئمة يذكرون كلمة الإمام مالك هذه قاعدة، لأهل السنة في سائر صفات الباري تعالى. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>