للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأنعام: ١١٢] ، وقال تعالى في الحديث القدسي: «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» (١) إذا علمت ذلك كله عظم فرحك بفضل الله وبرحمته، وزاد خوفك من طرائق الشياطين في صد الناس عن سبيل الله، فقد قال إمامهم إبليس لربك عز وجل: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ - ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: ١٦ - ١٧] فقد قعد إبليس وجنوده من الشياطين على الطريق الموصلة إلى الله، ومعهم فصاحة وتزيين وشبه، فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير سلاحا لك تقاتل به هؤلاء الشياطين.

ولا تخف ولا تحزن إذا أقبلت على الله، وتوكلت عليه، وأصغيت إلى حجته وبيناته {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: ٧٦] و {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣] أي: كافيه، والموحد الواحد يغلب ألفا من علماء المشركين، قال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: ١٧٣] فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم هم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على المسلم الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: ٨٩] فلا يأتي صاحب باطل بحجة أو شبهة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: ٣٣] قال بعض المفسرين: هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.

ومن ذلك أن تعلم ما كان عليه أهل الجاهلية من أمور خالفهم فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ذلك من أهم المهمات التي وردت في الكتاب والسنة الصحيحة، وذلك


(١) رواه مسلم في (الجنة: ٧٢٠٧) ، قال في " لسان العرب ": فاجتالتهم الشياطين أي: استخفتهم فجالوا معهم في الضلال، وجال واجتال إذا ذهب وجاء، ومنه الجولان في الحرب، واجتال الشيء إذا ذهب به، وساقه، والجائل: الزائل عن مكانه.

<<  <   >  >>