فيجيبني بالصفة التي يعرفها كلُّ أحد، وقال أخيرًا:{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}[الشعراء: ٢٧]، أي: لأنه يجيب بغير ما يُسأل عنه, ويزعم أنه رسولٌ من ربِّ العالمين، وهو بشرٌ مستضعَفٌ ولا يعرف أن الإرسال يتوقَّف على رؤية الرسول لمن أرسله ومواجهته له ومعرفته به.
وهكذا قول فرعون: {يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}، يريد ــ والله أعلم ــ كما قاله البيضاويُّ:«أن يُرِيَ فسادَ قول موسى بأن إخباره عن إله السماء متوقِّفٌ على اطِّلاعه، ووصولُه إليه لا يتأتَّى إلا بالصعود إلى السماء، وهو مما لا يَقْوَى عليه الإنسان ... ».
قال الشيخ زاده في حواشيه:«يعني أن فرعون لم يقصد أن يبني له هامان بناءً رفيعًا يصعد منه إلى السماء؛ لأن فرعون ليس من المجانين الذين لا يعلمون امتناع ذلك ببداهته، وإلَّا لما صحَّ من الله تعالى أن يرسل إليه رسولًا ويكلِّفه الإيمان به والامتثال لأمره»(١).
[٤٤٩] أقول: وحاصله: أنه لم يُرِد بناء الصرح، وإنما أراد أن يُفْهِمَ الناسَ ما يزعمه من كذب موسى عليه السلام، فكأنه قال: كلُّكم يعلم أنني وأنا الملك لا أستطيع أن أصل إلى السماء، وأني لو بنيتُ بناءً كأعلى الأبنية لم أصل إلى السماء ولم أقارب، أفلا تعجبون من موسى يدَّعي أنه رسول الله؟ ! والرسول لا بدَّ أن يكون قد وصل إلى مرسِله، ولا يشكُّ عاقل في أن موسى لم يصلْ إلى الله تعالى.