فزعم أن كمال خلقه والبسط له في الدنيا حتى صار ملِكًا دليلٌ على أنه مرضيٌّ عند الله عزَّ وجلَّ وعند الملائكة، وأنه أقرب إلى ذلك من رعيَّته؛ إذ لو لم يكن ذلك (١) ما جعلتهم الآلهة رعيَّةً له نافذًا فيهم حكمه.
وقوله:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا} إلخ، يريد أن الله عزَّ وجلَّ كمَّلني وملَّكني ونقص موسى ولم يملِّكْه، فهذا دليلٌ أني عند الله عزَّ وجلَّ وملائكته خيرٌ من موسى وأرضى منه، فلو أراد الله تعالى أن يرسل رسولًا من البشر أو يوحي إلى أحدٍ منهم لكنتُ أنا أقرب وأولى بذلك من موسى.
ثم قال:{فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}[الزخرف: ٥٣]، يريد أن الرسالة أمرٌ عظيمٌ، فلو أراد الله تعالى أن يرسل موسى [٤٤٨] لفعل به مثل هذه الأمور العظيمة. كأن فرعون كان يزعم أن الرسالة أعظم من الألوهيَّة، فإن الألوهيَّة عنده إنما هي أن يعمِد الناس إلى مَن دلَّت القرائن على أنه مرضيٌّ عند الله تعالى، فيعظِّموه تعظيمًا للملائكة، وأما الرسالة فإنها أعظم من ذلك، فإنها تستدعي أوَّلًا رؤية الرسول للمرسِل وسماعَ كلامه.
ولهذا ــ والله أعلم ــ قال لموسى أوَّلًا:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: ٢٣]، يريد أن الرسول لا بدَّ أن يعرف ذات مَن أرسله، فلما عدل موسى إلى قوله:{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}[الشعراء: ٢٤]، قال فرعون {لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ}[الشعراء: ٢٥]، أي: إني أنا أسأله عن الذات