للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلت: ويحك! هذا أبي بن كعب، افتح الباب عنه، ففتحه عنه، فإذا أنا برجل منغمس في النجاسة والأدهم في رجليه، فقلت: السلام عليكم، فقال: كلمة مقولة، فقلت: ما منعك من رد السلام علي؟ قال: السلام أمان، وإني أريد أن امتحنك، ألست تذكر اجتماعنا عند أبي العباس -يعني ثعلباً- في يوم كذا- وعرفني ما ذكرته، وإذا به رجل من أفاضل أهل العلم، فقال: هذا الذي تراني فيه منغمساً، ما هو؟ قلت: الخرء. قال: وما جمعه؟ قلت: خروء، قال: صدقت، وأنشد:

كأن خروء الطير فوق رؤوسهم

ثم قال: أما والله لو لم تخبرني بالصواب لأطعمتك منه، فقلت: الحمد لله الذي أنجاني منك. وتركته وانصرفت.

ويحكى أن أبا بكر بن الأنباري حضر مع جماعة من العدول؛ ليشهدوا على إقرار رجل، فقال أحدهم للمشهود عليه: ألا نشهد عليك؟ فقال: نعم، فشهد عليه الجماعة، وامتنع ابن الأنباري، وقال: إن الرجل منع أن يشهد عليه بقوله: نعم؛ لأن تقديره جوابه: "لا تشهدوا علي"، لأن حكم "نعم" أن يرفع الاستفهام، ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى:] ألست بربكم قالوا بلى [، ولو أنهم قالوا: "نعم" لكفروا، لأن حكم "نعم" أن يرفع الاستفهام، فلو قالوا: "نعم"، لكان التقدير: نعم لست ربنا، وهذا كفر، وإنما دل على إيمانهم قولهم: "بلى"، لأن معناها يدل على رفع النفي، فكأنهم قالوا: أنت ربنا، لأن "أنت" بمنزلة التاء التي في "ألست".

<<  <   >  >>