[غربة الفرقة الناجية وخصائصها]
النوع الثاني من الغربة: غربة الخاصة، وهي غربة الفرقة الناجية.
والفرقة الناجية لها خصائص منها: أنها فرقة موحدة لله حق التوحيد، وفرقة ليس بينها وبين الله واسطة، وفرقة تأخذ من الكتاب والسنة، وفرقة مستقيمة على طريق الله صابرة مصابرة، وفرقة تملأ بيوت الله عز وجل وتعمرها، وفرقة تريد نصر الإسلام، وفرقة تأخذ على عاتقها نبذ الخلافات والانحرافات والفسوق والعصيان، وفرقة تبعد نفسها عن البدع، وفرقة لا تطبق من الدين شيئاً وتترك شيئاً آخر، وإنما تأخذ الأمر كله؛ لأنها تعلم أن كل أمر بيده سبحانه وتعالى، وهي فرقة تنتهي عند نهي رب العباد سبحانه وتعالى، وفرقة تحمل هم الإسلام.
هذه بعض خصائص الفرقة الناجية.
وتشعر هذه الفرقة أنها غريبة في مجتمعها، فإذا رأيت زوجة قد أكرمها الله عز وجل بنقاب أو حجاب، عندئذٍ نرى أنها منبوذة في العائلة، وبالذات بعض العائلات التي تسمى بـ (الإتكيت) أو (الفيتي فايتي) أو المجتمعات التي قد طمست بصائرها، وصارت وراء الغرب حذو القذة بالقذة، حتى لو دخل الغرب جحر ضب لدخلوه خلفهم.
فهؤلاء لو قال لهم رجال الأزياء في أوروبا: إن قميص الرجل يكون تثني ياقته هذا العام هكذا، فإذا بهذه الفرق في بلاد الإسلام تثني ياقة قميصها كما قال مصمم أو مبعوث الأزياء الفرنسي أو الأوروبي.
وإذا قال لنسائهم: قصرن الفساتين، قصرت الفساتين، وإذا قال لبناتهم: البسن أسورة عليها صورة كذا، أو افعلن وشماً شكله كذا، لفعلن ما أمرن به.
لكن لو قال الله أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم لهؤلاء: افعلوا كذا، أو لا تفعلوا كذا، لما فعلوا ما أمروا به، ولأعرضوا عن كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكأن هؤلاء لم يسمعوا قول الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].
وكأنهم لم يقرءوا قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:٣٦].
فهؤلاء ما فتحوا كتاب الله ليقرءوه، حتى وإن قرءوه فإنه لا يجاوز تراقيهم، فهم يفتحون فيقرءون عن الربا، ويقرءون عما حرم الله، وإذا بكل واحد منهم يريد أن يقنع نفسه بما لا يحل له، يريد أن يضعها في رقبة عالم ليخرج منها سالماً.
لن تسلم يوم القيامة إلا إذا خلصت نفسك من هذه الانحرافات وهذا الهوى الذي يحكمك ويحكم عقلك وقلبك، يجب أن يكون هواك تبعاً لما جاء به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
دخل الرسول عليه الصلاة والسلام فرأى أبا بكر رضي الله عنه يقرأ ويصلي ويخفض صوته، ورأى عمر رضي الله عنه يقرأ فيرفع صوته، فقال: (يا أبا بكر! لم لا ترفع صوتك في الصلاة؟ قال: أسمعت من ناجيت يا رسول الله، ثم قال: وأنت يا عمر لم ترفع صوتك؟ قال: أوقظ الوسنان -أي: النائم-، وأطرد الشيطان).
فاسمع ماذا قاله المربي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، قال: (يا أبا بكر! ارفع صوتك قليلاً، ويا عمر اخفض صوتك قليلاً) فالرسول صلى الله عليه وسلم حقق أمرين: الأمر الأول: العمل بما جاء في كتاب الله عز وجل: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء:١١٠].
الأمر الثاني: أنه جعل هواهما تبعاً لمراد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
يعني: أن الإنسان لا يصنع ديناً من عنده، فالدين قد أحكمه الحكيم عز وجل، وأنزله على قلب حبيبه صلى الله عليه وسلم؛ ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الفرقة الناجية هي فرقة غريبة في مجتمعها، تجد الأب يعيب على الولد الملتزم، وعمه يعيب عليه، وخاله يعيب عليه، وأخوه الأكبر يأمره بحلق اللحية، ويقول: لا داعي للصلاة في المسجد.
يقول هؤلاء المتمسلمون: نعم، نحن نعرف أن هذا حق، وأن هذا واجب، وأن هذه سنة مؤكدة، وأن هذا كذا، وأن هذا كذا، لكن الظروف لا تسمح بالتزام ذلك، والدين بالعقل وليس بالتهور والتشدد، هكذا يقولون.
فهؤلاء يريدون أن يحققوا البدعة، وأن يجنبوا السنة بعيداً، ولكني أقول: إن طائفة من أمة محمد ستظل قائمة على الحق، لا يضرها من خالفها حتى تقوم الساعة.
اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.