للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التعب في السفر]

الصفة الثالثة: التعب، فلا يوجد مسافر في راحة، فمهما كانت وسيلة السفر مريحة فلابد أن يكون متعباً، وهكذا فإنك في الدنيا متعب.

وقيل: لا راحة في الدنيا، ولا حيلة في الرزق، ولا شفاعة في الموت، ولا راد لقضاء الله، فلا راحة في الدنيا لا لمؤمن ولا لغير مؤمن، بل إن المؤمن يعيش في الدنيا مستعداً للقاء الله.

ولذلك فإن المؤمن تبدأ راحته عند الموت، والفاجر يبدأ تعبه عند الموت.

فالمؤمن عندما يموت يحمل صفحة الراحة، وأما الفاجر فقد كان يقول: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:٢٤]، فهو يظن أنه يعيش في الدنيا فقط، ويعمل فيها ما يشاء براحته، ولكنه حين يموت يبدأ تعبه، والمؤمن عند يموت تفتح له أبواب الرحمة.

وأطمئن كل الذين ابتلاهم رب العباد وأقول لهم: هنيئاً لكم ما عند الله عز وجل، ولا أخص بالذكر أناساً معينين، فكل شخص عنده بلوى بقدر حجمه، فهناك من عنده بلاء المرض، أو أنه فقير، أو أن هناك مشكلة لا يوجد لها حل، أو أن هناك قضية في محكمة، فكل هذه من الابتلاءات.

فهذا المبتلى لابد أن يثق في فضل الله ورحمته، فأنت لا ترى من الصورة إلا ظاهرها، ولكن باطن الصورة كله خير؛ لأن المبتلي رحمن رحيم، بل هو أرحم بك من أمك وأبيك.

إذاً: لابد أن يعود عليك الابتلاء بالخير كله، واحمد الله أنك من أهل الابتلاء، وإذا لم تكن من أهل الابتلاء فراجع حساباتك.

فقد ثبت في الحديث أن الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: (من أصيب بحمى؟ فقال أعرابي: وما الحمى يا رسول الله؟! قال: أما أصابتك أم ملدم؟ قال: وما أم ملدم؟ قال: حرارة في الجسد، قال: كلا، قال له: أما أصابك صداع؟ قال: وما الصداع يا رسول الله؟! قال: عرق ينبض عن الرأس.

قال: كلا، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا).

فالله سبحانه إذا أحب عبداً ابتلاه.

فهؤلاء الناس الذين يجلسون على الكراسي لو أصيب واحد منهم بمغص فإنه لا يعرف ربه إلا عندما يوعك وهو على الكرسي.

نسأل الله سبحانه أن يرزقنا الصبر على البلوى.

وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>