[دعوة إلى اعتناق حلق العلم في المساجد]
إن الله أعطانا أعظم ثروة وهي القرآن، ثم أعطانا الفرصة وهي شهر القرآن الذي نزل فيه، ففيه إعادة حسابات مع النفس الإنسانية المسلمة في بيته، فإني أحملك أمانة أن تجلس كل يوم مع زوجتك وأولادك ولو ربع ساعة بشرطين أساسيين: أن تغلق الهواتف المحمولة والمتحركة والساكنة وغير الساكنة، وتغلق شاشة التلفاز.
أريد أن تنصت إليك زوجتك وأبناؤك، وأنت تنصت أيضاً وترى ماذا عملوا؟ من سمع حديث اليوم؟ من سمع قصة طيبة؟ من سمع حكمة في المدرسة؟ من رأى منظراً أعجبه؟ من له تعليق على موضوع معين؟ فقد ثبت أن الأسرة المسلمة هي أعظم أسرة في العالم.
ففي الصيف الماضي كنت في أوروبا، فهناك خمسة عشر ألفاً قضوا نحبهم من الفرنسيين في موجة الحر، وأغلبهم من كبار السن الذين لا يعرف عنهم أحد أنهم ماتوا إلا إذا شم رائحتهم، ولا أحد يسأل عنهم، لكن نحن والحمد لله كل صلاة نتواجد فيسأل فلان عن فلان، ويقول: ما رأيناك في صلاة الصبح، أو ما رأيناك في صلاة العشاء، وهكذا دائماً المسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد).
وقد وصل الأمر بالصحابة أن الصحابي كان يضع التمر في فم أخيه ليجد حلاوته في فمه هو، هذا شعور جيل القرآن، هؤلاء هم ملوك البشر الذين رباهم خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم في مسجده.
فقد كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبارة عن حصى ورمل وليس بهذه الأبهة التي في مساجدنا، ورغم ذلك فأولادنا عازفون عن المساجد، ونساؤنا عازفات عن المساجد، لماذا لا تحضر زوجتك معك في درس العلم وفي صلاة الجماعة لتسمع؟ فما وجدنا في كتب السير ولا التراجم صلاة خلت من امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن المسجد للرجال والنساء أيضاً، لتسمع أنت الدرس وتعود أنت وهي إلى البيت فتتدارسان ما سمعتماه من الشيخ، فالبنات والأولاد كلهم مكانهم المسجد، فالمؤمن في المسجد كالسمك في الماء إن خرج منه مات، والمنافق في المسجد كالعصفور في القفص يريد أن يهرب فور أن يفتح له.
وما من مسلم يتطهر في بيته ثم يتوجه إلى بيت مولاه إلا ورب العباد سبحانه على باب المسجد يتلقاه، ويتبشبش في وجهه كما يتبشبش أهل الغريب عندما يعود إليهم غريبهم.
فأنت في المسجد عند العظيم، وإن كنت عند العظيم فاسأل عظيماً حتى وإن كان عملنا لا يساوي شيئاً، لكن إن سألت العظيم فاسأله الفردوس الأعلى، فإنك عندما تدخل على إنسان غني وتريد أن تأخذ منه تقول له: أعطني عشرة آلاف أو عشرين ألفاً أو خمسين ألفاً.
يذكر أن أعرابياً دخل على كسرى، فقال كسرى للأعرابي: تمنَّ علي يا أعرابي! قال: أتمنى ألف درهم؟ فغضبت الحاشية من الرجل، قال: وهل هناك أكثر من الألف؟ إذاً: فهناك عقبات تحيط بك لكن إن قويت جانب الطاعة علمك الله، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٢].
فالإنسان حين يقوي جانب العقيدة بداخله، ويتفاعل مع كتاب الله عز وجل، ويعمر شهر القرآن بالعمل بالقرآن بعد تلاوته، ينتج من هذا نتيجة مذهلة تعود على الأمة بالخير.
إخوة الإسلام! إننا نحيا في وقت يحصل للمسلمين فيه مصائب جمة، لكن إن كانت الأمة في حالة من النوم المؤقت أو الغفلة المؤقتة، فإن الغد للإسلام إن شاء الله، لأن عند لحظة الاختيارات الكبرى لن يختار إلا الإسلام، قلت في مؤتمرين: بين الشرق والغرب، والمسلمين والغرب في أوروبا في الصيف الماضي: إنكم قد تقدمتم -ولا ننكر- في التقنية وفي الحضارة، ولكنكم تأخرتم في أمر آخر، قدموا أنتم لنا ما عندكم من حضارة ونحن نقبلها، ونقدم لكم حضارتنا وقيمنا الإسلامية، نتبادل المعرفة، أنتم تعطونا حضارة دنيوية ونحن نعطيكم سعادة الدارين: الدنيا والآخرة.
إن نسبة الانتحار ونسبة الأمراض النفسية ونسبة الطلاق في دول الغرب مذهلة، ومن أسباب كثرة الطلاق في بلد كأسبانيا هو أن يذهب الزوج فيشكو، فيقال له: كيف تصبر عليها؟! هذه خطر على صحتك، طلقها، وتذهب الزوجة إلى الطبيب فتشكو زوجها، فيقول الطبيب: كيف تصبرين؟! طلقيه فوراً.
لكن في ديننا فقد ضرب عمر بن الخطاب الحكمين، قالا: يا أمير المؤمنين! رفضا الصلح، فقام عمر بالدرة يضرب الحكمين، وقال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:٣٥] فلو أخلصتما النية لأصلح الله بين الزوج وزوجته.
إذاً: عمر اعتبر الحكم هو السبب في المشكلة، إذاً: فالحل ليس إلا في دين الله، فالعالم كله في حالة من الضياع، ونحن عندنا هذا الميراث الضخم وهذه الثروة الضخمة من كتاب الله، ومن أزمنة ونحن نتفاعل مع كتاب عسى رب العباد أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
جزاكم الله عني خيراً بحسن صبركم وحسن إنصاتكم، وبورك فيمن صنع هذا الخير، ولعلها بداية خير في عمارة المسجد، وندعو الله أن تستمر من حسن إلى أحسن، ومن جميل إلى أجمل.
بوركت يد من وقع مثل هذا القرار، وبوركت قدمان تسعى لمثل هذه الأمور، وبورك لجهد يصنع الخير للمسلمين، وبوركتم جميعاً، يتقبل الله منا ومنكم، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
وصلى الله وسلم على محمد، وآله وصحبه أجمعين.