للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقارنة بيت أبي لهب وصهيب بن سنان]

ابتلي أبو لهب في آخر حياته بمرض معد، فلما مات حملوه على خشب بعيداً، وأخذوا يرشون عليه الماء، وقد كان العرب قبل الإسلام يغسلون الميت ويغتسلون من الجنابة، وهذه أيضاً فضيلة فيهم، ويذكر أن أبا سفيان لما هزم في بدر أقسم ألا يغتسل من جنابة حتى يهزم محمداً.

ولما أرادوا دفن أبي لهب رموا عليه الحجارة وما استطاعوا أن يقتربوا منه؛ لرائحته النتنة.

أما صهيب فقد أتى من بلاد الروم فقيراً لا أهل له إلى مكة، فأراد أن يلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلما أراد الخروج إلى المدينة لقيه نفر من قريش فقالوا له: يا صهيب! جئتنا فقيراً وعشت بيننا، أو تريد الآن أن تهاجر؟! قال: والله إنكم لتعلمون أني أجيد الرمي، ولن تقتربوا مني إلا وقد قتلت منكم ستة أو سبعة، فماذا تريدون؟ هذا بيتي خذوه بما فيه، فأخذوا بيته وتركوه يهاجر، فوصل إلى المدينة بعد أربعة أيام وقد أوشك أن يموت جوعاً، فدخل المسجد، فرأى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرات فأخذها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى)، أي: لقد بعت البيت واشتريت الجنة والدار الآخرة.

وأما أبو جهل فقد كانت عداوته شديدة للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إنه لما قتل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قتل فرعون هذه الأمة).

ففي غزوة بدر قال أبو سفيان: إن القافلة نجت ولا حاجة لنا إلى قتال محمد وأصحابه، فقال أبو جهل: والله لنقيمن هناك عند ماء بدر، وننخر الجزر، وترقص القيان لنا، ونمكث لنشرب الخمر ثلاثة أيام، فتسمع العرب بنا، فما تزال تهابنا أبداً، فحاول الوليد بن المغيرة إقناعه بالرجوع -وكان رجلاً عاقلاً- فأبى، فقتل في هذه الغزوة.

ولننتقل إلى بلال، وهل هناك أحد في العالم الإسلامي لا يعرف بلالاً؟ هو ليس من مكة ولا من المدينة وليس له مركز اجتماعي، وإنما هو عبد حبشي أتى من الحبشة خادماً لرجل من قريش، فعذبوه فرق له أبو بكر وأعتقه؛ ولذلك يقول عمر بن الخطاب: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.

وسيدنا بلال بكعبه الأسود يقف فوق الكعبة ويؤذن، فانظر إلى إرادة العبد وإرادة الله سبحانه أيهما تغلب؟! إذاً: فمن مراتب الهداية أن ترضى بإرادة الله سبحانه فيما أراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>