[واجب العبد المؤمن تجاه القضاء المبرم والقضاء المعلق]
أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد: أخا الإسلام، الله عز وجل يريد بنا ومنا قضاء وقدراً، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أظهره لنا، فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عما أراده منا! معنى هذا الكلام: أن الله عز وجل أراد منا عملاً وأراد بنا قضاء وقدراً، فما أراده بنا وهو القضاء والقدر طواه عنا فلم يظهره لأحد، عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً، إلا من ارتضى من رسول.
ثم أراد منا عملاً، أراد منا تكليفات شرعية، فلماذا نشتغل نحن بما أراده بنا من قضاء وقدر عما أراده منا من عمل؟! يجب أن نشتغل بما أراده منا وما طلبه منا من تكليفات وأوامر.
القضاء من الله عز وجل قضاء مبرم، وقضاء معلق، القضاء المبرم كالموت، فلان سيموت في الساعة الفلانية في الدقيقة الفلانية في الثانية الفلانية، في المكان الفلاني، بالطريقة الفلانية، لا يتقدم الإنسان خطوة إلى الأمام ولا يتأخر خطوة إلى الخلف، لا يتأخر ثانية ولا يتقدم ثانية، لا يبعد عن المكان الذي قدر له أن يموت فيه.
إذاً: يجب أن يعترف الإنسان ويوقن ويؤمن بقضية القضاء والقدر، هذا هو القضاء المبرم.
وإني لأعجب من كثير من المسلمين عندما يدعون لبعض المسلمين بطول العمر، دعت السيدة رملة أم حبيبة زوج رسول صلى الله عليه وسلم: فقالت: (اللهم زد في عمر زوجي رسول الله، وعمر أبي أبا سفيان وعمر أخي معاوية فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أم حبيبة لقد سألت الله أعماراً محدودة، وأنفاساً معدودة، وآجالاً مكتوبة، ألا قولي: اللهم إنا نسألك البركة في العمر)، ندعو الله عز وجل بالبركة في العمر وليس بطول العمر؛ لأن طول العمر وقصره إنما هو بيد من يقول للشيء: كن فيكون، لمالك الملك والملكوت فقط، لا يطيل العمر إلا شيء واحد ألا وهو بر الوالدين، ولا يعلم ملك الموت بهذا الأمر حتى يهبط في الساعة الفلانية ليقبض روح هذا العبد فيقول الله لملك الموت: يا ملك الموت، لا تصنع؛ إنه بار بأبيه وأمه وليس أحد لأبيه وأمه في الدنيا إلا هو، فجعلته سبباً لخدمة أبيه وأمه، لقد أعطيته كذا سنة علاوة من الله رب العالمين.
هذه مسألة لا نقاش فيها، لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا بر الوالدين، اللهم اجعلنا بررة بآبائنا أحياءً وأمواتاً يا رب العالمين.
الأمر الثاني في القضاء: هو القضاء المعلق، كأن يقضي الله عز وجل بمرض إنسان أو بفقره، ولكن العبد يدعو كما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه).
قد ييئس مريض من مرضه، فمثلاً: نرى في أوروبا كيف ينتحر المرضى، يقيمون هناك مؤتمرات يقولون فيها: هل يصح أن نقتل المريض الميئوس من شفائه أم لا نقتله.
لم يصلوا إلى حل إلى الآن، لكننا نقول: طالما العبد مؤمناً وموقناً بقضاء الله عز وجل وأنه كلما ازداد مرضه ازداد قربه إلى الله رب العالمين، وكلما عجز الطب والأطباء اقترب قلب العبد المؤمن من الطبيب الشافي المعافي سبحانه وتعالى.
يا رب أليس الشفاء من عندك؟ قال: نعم يا موسى، قال: فماذا يصنع الأطباء؟ قال: يأخذون أرزاقهم ويطيبون نفوس عبادي حتى يأتي شفائي أو قضائي.
إنما الشافي هو الله رب العالمين، لا شافي للأمراض إلا الله، ولا مفرج للكرب إلا الله، ولا كاشف للغم إلا الله، ولا شارح للصدر إلا الله، ولا موفق للخيرات إلا الله، فوحدوا رب العباد توحيداً صادقاً، واذكروه ليل نهار، وتوكلوا عليه حق التوكل، يرزقنا رب العباد عقيدة صافية صادقة، ونية صادقة نقية.
فاللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، سامحنا وتقبل منا.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت يا رب أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.
اللهم اشف كل مريض، واهد كل ضال، وتب على كل عاص، ووفق كل مسلم لما تحب وترضى.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا رب تسليماً كثيراً.
بسم الله الرحمن الرحيم.
{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١ - ٣].