قد يقول قائل: هل من العدل أن يتركني الله تبارك وتعالى أعمل المعاصي ثم يأخذني بغتة، مع أن المنطق أن ينبهني وأن يذكرني؟
الجواب
قال تعالى:{بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}[القيامة:١٤ - ١٥]، فالله تعالى أعطى الإنسان عقلاً، وهو من البداية قد حمل أمانة العقل وهو ما يزال في عالم الأرواح، ثم بعد ذلك جاءه الرسول والقرآن.
وقد تحمل الأمانة آدم وحده ونحن جميعاً في صلبه، وخاطب الله الأرواح بقوله:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}[الأعراف:١٧٢]، وآدم يمثلنا جميعاً ونحن في عالم الأرواح، ولما عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال، وهي طاعة الله فيما أمر والانتهاء عما عنه نهى وزجر، فأبين إلا الطاعة دون إكراه بلا أوامر ولا نواهي، ولا تكليفات، وحملها الإنسان الظلوم الجهول قبل خلقته، لأنه متعجل، فالله خلق الإنسان من عجل.
والذي جعل الإنسان يأمن من مكر الله أن الله تعالى أعطاه النعم فلم يشكرها، فلما لم يشكرها ظلت النعم كظواهر وسلبت من قلبه، فلم ير أنه في نعم فيعيش ذئباً يريد أن يفترس، وهجومياً يريد أن يهجم، ويأخذ ما لا يحق له؛ لأنه لم يشكر النعم الظاهرة والخفية، والمطلقة والمقيدة.
والإنسان في العالم له أربعة حالات: إما حالة طاعة أو حالة معصية، أو حالة نعمة، أو حالة بلية، فهو لم يقدر نفسه عند هذه الأمور، فرأى الطاعة وما أطاق، ورأى المعصية فارتكبها وما استغفر، ورأى النعمة وما شكرها، ورأى البلية وما صبر عليها، بل تمرد.
وأسوأ ما يصيب الله به العبد أن يغره بنفسه فلا ينتبه، وهذا ليس ظلماً من الله، فلو جلس معه الناصح الأمين لم يستمع إليه، ويدخل في فلسفات، فيقول مثلاً: موضوع سوء الخاتمة أكيد، والعذاب أكيد وهكذا، ويدخل نفسه فيما لا يحسن أن يدخل فيه.