للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: الأدب مع الله تعالى

من مراتب الهداية ودرجاتها: الأدب، اللهم اجعلنا من أهل الأدب معك يا رب العالمين، والأدب أنواع ثلاثة: أدب مع الله، وأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم وشرعه، وأدب مع خلقه.

فما معنى الأدب مع الله؟ وما معنى الأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام؟ وما معنى الأدب مع خلق الله؟ أولاً: الأدب مع الله في إطاره العام: ألا ترى نفسك على معصية، أو على إصرار على معصية.

ففي الدنيا لو وصف أب ابناً له بأنه مؤدب، أو وصف أهل الحي أحداً بأنه إنسان مؤدب -أي: أدب دنيوي- فمعناه: أنه يحترم الكبير، فاحترامه لكبير القوم نوع من الأدب.

فأدبك مع الله عز وجل: ألا تسيء إلى شرع الله والقانون الذي وضعه الله عز وجل، وقانون الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: أمر ونهي.

فالأمر: التنفيذ، فلا يكون هناك تقصير.

ففي القانون الوضعي عندما أخالف الأمر تأتيني المخالفة، فإذا خالفت أمر المرور مثلاً أتتني المخالفة، فإذا كانت السيارة محطمة، أو أخذ التاكسي حمولة أكثر من اللازم أو غير ذلك فإن المخالفة تسجل علي، أو في قانون المباني إذا كان قد صرح له ببناء خمسة أدوار فبنى سبعة سجلت عليه مخالفة، وهكذا في كل القوانين الوضعية عندما لا تنفذ الأمر، أو ترتكب منهياً عنه في القانون تأتيك المخالفة.

إذاً: أليس من باب أولى أن يكون لك مع الله قانون؟! فقانون الله عز وجل عبارة عن أمر ونهي، فإذا خالفت الأمر فأنت مخالف، وعندها نقول عن فلان: إنه غير مؤدب مع الله، فأي إنسان مستمرئ لمعصية، ومعتاد عليها، أو أنه يضيق صدور المسلمين فيدخل النكد عليهم، أو يحاول أن يثير الذعر بينهم، أو يحاول أن يوقع المسلم في أخيه، والجماعة المسلمة في الأخرى، فهذا إنسان لا يعرف الأدب مع الله، أي: أنه ارتكب مخالفة، أو لم يطبق أمر الله عز وجل.

وقد يجتمع المسلمون في بيت واحد لمدة ساعتين أو ثلاث فيسأل كل واحد منهم عن الآخر، وربما لا يعرف بعضهم أسماء بعض، لكن الأرواح قد تلاقت في الأزل منذ أن قال ربنا: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:١٧٢]؟ فقال الجميع: {بَلَى} [الأعراف:١٧٢]، بل وأشهدنا على أنفسنا، قال ربنا: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:١٧٢]، فكل الأرواح اجتمعت في ذلك اليوم، فأنت ترى الأخ في المسجد ولم تره من قبل حقيقة، فتقول له: قد رأيتك من قبل؟! فيقول هو أيضاً: وأنا رأيتك، ولعلك تتذكره فتقول: كنت في كلية كذا؟ فيقول: لا، هل اشتغلت في المصلحة الفلانية؟ فيقول: لم يحصل، هل كنا مع بعض في المدرسة؟ فيقول: لا، أو في الروضة؟ فيقول: لا، فتقول له: أنا كنت في الإسكندرية، فيقول: وأنا أتيت من سوهاج، وكلاهما صادق؛ لأن روحيهما قد التقتا في عالم الأزل، فلما تلاقت الأجساد لم تكن الأشكال غريبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>