[انسحاب سوء خاتمة الفرد على الأمة إذا لم ينصحوا]
السؤال
هل سوء الخاتمة للعبد تنسحب على الأمة؟
الجواب
إذا لم تقل الأمة للظالم: يا ظالم! فقد ينسحب الظلم على الأمة كلها.
فعلى كل من يقول: لا إله إلا الله أن يقف في وجه الظالم، وعلى جميع المسلمين أن يتعاونوا على البر والتقوى، وينصحوا الظالم ولو كان صاحب مسئولية، أو كان إنساناً عادياً لا قيمة له في الحياة، إذا لم يتق الله وعمل عملاً سيئاً، كما يحصل على شاشات التلفزيون من العهر والمجون، فيجب أن تقف الأمة وتعترض وتمنع.
فلو لم تقف الأمة ضد هذه المنكرات بل تتفرج وتشاهد المسلسلات والأخبار، فإن الأمة تتحمل وزر ما هي فيه.
ومن تخاذلنا صار المخرج التلفزيوني المسلم يقفو أثر بني صهيون، ويتحكم في إعلام الناس، فيجب علينا أن نقف في وجهه، وأن نمتنع عن ذكره وعن نشر أخباره في الصحف، ولا يوضع تحت الميكروسكوب، ولا تحت الأضواء، بل نهمل ذكره.
ولا تستيقظ هذه الأمة إلا بتكوين لجنة أو مؤتمر كبير يسمى: مؤتمر النهوض بالأمة، يعمل جميع الأسئلة والاقتراحات في أي وقت سواء كانت عبر البريد الإلكتروني أو الفاكس أو التلفزيون أو غيرها، وذلك لدراسة سبب تخلف الأمة، ثم تصاغ الصياغة لمعرفة من أين يبدأ، ويكون ذلك مع بعض الدعاة وأصحاب الحل والعقد والمفكرين على مستوى العالم الإسلامي.
ونحن كعرب نريد الحل الآن، ونريد أن نقول: إن الجيل الذي فوق الخمسين الآن الذي يقود في كل مكان يعمل مرحلة، وبعد عشرين يتسلمها الجيل الذي بعده، فعلى مدى قرن إن شاء الله ستنهض الأمة.
لكن أن نترك هذا ينتقص من ديننا وهذا ينتقص من علمنا، ليس هذا عمل الصالحين أو عمل الناس الذين يريدون حسن الخاتمة، فلابد أن نجتمع في وجهة التقارب مع بعضنا البعض، ونحب بعضنا بعض، فلن نجتمع إلا بحب، فنحب الأوطان ونحب البلاد؛ لأن ما من متدين إلا ويحب وطنه، ومن أكثر الناس حباً لمكة رسول الله وهو خارج منها، ونحن كلنا نحب أوطاننا ونحب أوطاننا أكثر عندما تتمسك بالإسلام.
إذاً: البداية من عند القرآن والسنة، وإن لم نبدأ من القرآن والسنة وننتهي إلى القرآن والسنة، فإن ذلك من سوء الخاتمة.
النوع السادس: من الأعمال التي تعمل على سوء الخاتمة الرياء، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:١٤٢] والرياء صورة من صور النفاق، والمنافق له علامات، منها: أنه يظهر عكس ما يبطن.
وكلمة النفاق مشتقة من نفق اليربوع، واليربوع حيوان يأوي إلى جحر له بابان، فإذا انسد أحدهما خرج من الآخر، والوصف بالنفاق أمر صعب، فلا يوصف إنسان بالنفاق إلا إذا اكتملت فيه الشروط.
وللنفاق دلائل تدل عليه، وهي: إذا حدث كذب، فهو كذاب ولم يكذب مرة فقط بل يكذب مرات كثيرة، وإذا وعد أخلف، وليس ذلك مرة، فلا تصف إنساناً بالنفاق لأنه وعدك ثم أخلف الوعد وهو ينوي ألا يخلف، بل تلتمس له سبعين عذراً، فهو ليس منافقاً في هذه اللحظة، وإن وصفته بالنفاق فإن النفاق يرتد عليك.
فالخلف هو أن تعد شخصاً أن تأتي إليه وتنوي ألا تأتي، فمن تيقن فيه أنه لا يفي بوعده ففيه خصلة من خصال النفاق.
ومن الدلائل التي تدل على النفاق: أنه إذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا اجتمعت الأربعة في إنسان كان منافقاً خالصاً.
والرياء هو التجمل أمام الناس، لكن مع أهله فهو بذيء اللسان، طويل اليد، قابض الكف في الإنفاق بخيل، بينه وبين أولاده أو زوجته حواجز، إذا جلس في مكان أمام الناس فإنه يعامل زوجته معاملة أخرى، ويقول كلاماً كبيراً، ويصادق الأولاد، فهذا هو الرياء، أو يصلي في بيته بدون طمأنينة وأما في المسجد فإنه يطمئن في صلاته.
فهذا يدخل في قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون:٦].
ففي يوم تسعة وعشرين من رمضان لا تجده في المسجد، فإنه كان يصلي لرمضان، من أجل أن يقال عنه: فلان كان يصلي في رمضان، فهذا رياء والعياذ بالله رب العالمين، فلابد أن نعيد الحساب، قال تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عمران:١٨٨]، فالمسلم لا يريد أن يحمد بشيء يصنعه، أو أن ينسب إليه خير لم يعمله.
فمن المصائب أن تنسب إلينا أعمال لم نقم بها، وهذا من باب الاستدراج والغرور، وعدم رضا الله.
وإذا نسبوا إلينا مرة فلتكن لنا وقفة مع النفس؛ لكي نكون كما نسب إلينا، وإذا لم نستطع ذلك فلنحاول، وإذا فشلنا فلنحاول مرات وننوي الخير من أجل أن نؤجر على النية، وإذا اعترتنا في أنفسنا بعض الوساوس أو الأقاويل بأن هذا سيكون محرجاً لنا مثلاً، أو أن هذا يتنافى مع مكانتنا ومقامنا، فمرضاة الله هي المقصد الأسمى في المسألة، ونسفه هذه الوساوس والأقاويل بل ونواجهها.
والرياء لم يكن موجوداً عند السلف الصالح قديماً، ومعلوم أن اليسير من الرياء شرك والعياذ بالله، ولو أن إماماً يصلي بالناس وبينما هو راكع إذ شعر بدخول أحد المسبوقين فانتظر في ركوعه من أجل أن يدرك المسبوق الركعة، فعند أبي حامد الغزالي رحمه الله وهو رأي للشافعية أن صلاة الإمام باطلة؛ لأنه لم يصل لله.
وقال ابن عباس: لو قلت: لولا الكلاب لسرقتنا اللصوص لكنت مشركاً.
وكذلك من قال: إن الماء يروي، وإن الدواء يشفي، فإن هذه أسباب لا تنفع ولا تضر، وإنما النافع والضار هو مسبب الأسباب، وإنما يجب علينا أن نأخذ بالأسباب ونحن مكلفون بها.
فمن اعتقد بقلبه أن الأسباب تنفع وتضر دون الله تعالى فإن هذا من سوء الخاتمة، فعلينا أن نصحح ما في قلوبنا من هذه الاعتقادات الخاطئة، فنحن مصابون في قلوبنا.
وسوء الخاتمة معلق على القلب أولاً، ثم الجوارح ثانياً، فإذا صلح القلب صلحت الجوارح كلها، وكل الناس تخاف من أمراض القلب، فلو حصل أي ألم في القلب فإن المتألم يذهب إلى الطبيب؛ لأنه خايف على دنياه، لكن لو أصيب في قلبه فصار لا يخشع في صلاته، ولا يقشعر جلده من ذكر الله، ولا يحن على الناس، ولا يتواضع، أو أن قلبه مليء بالكبر وبالحقد، فإنه لا يذهب إلى طبيب القلوب! والعلماء قسموا القلوب إلى أربعة: القلب الأول: قلب لا يحب إلا الله، وهذه قلوب الصحابة، فصاحب هذه القلوب تجده في أي وقت يحب الله عز وجل، ودوداً مع إخوانه، متواضعاً، هادئ النفس، كريماً، مضيافاً، بشوشاً، وكل الناس تشكره.
الثاني: قلب الدنيا فيه جاثمة، فصاحب هذا القلب إذا أعطي منها رضي، وإن لم يعط ظل ساخطاً.
الثالث: قلب ساعة وساعة، أي: بين بين، فعندما يأتي رمضان فإنه يعبد الله، ولذلك أحمل رسالة مهمة إلى كل المشاهدين والمشاهدات الذين واظبوا على العبادات في رمضان ألا يتركوها بعد رمضان؛ فإن ذلك من إحباط القلب.
أما الذي يحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: (ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما)، فلا يعبد الله إلا في رمضان، فهذا احتجاج في غير محله، فإن رمضان هو القمة في العبادة، والحسنة فيه مضاعفة، فرمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما بشرط ما اجتنبت الكبائر، ومن الكبائر الكذب والربا والظلم والافتراء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهنّ ما اجتنبت الكبائر).
الرابع: قلب أحياناً تعلو عنده الآخرة فيلتزم قليلاً في درس علم، أو جلسة طيبة، أو تذكير بآية أو بأحاديث، أو يتفاعل مع قضية معينة، وأحياناً الدنيا تأخذه في أوديتها وشعابها، فهذا قلب متردد، ويوم القيامة يأتي إلى حرف الصراط فنوره مرة يضيء ومرة يخبو، كما قال تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة:٢٠]، فإن الصراط مظلم، ولا يجتاز إلا بنور الإيمان.
إذاً: سوء الخاتمة معلق على القلب أولاً، والقلب فيه من الأمراض الكثيرة التي تستلزم منا وقفة صادقة؛ لنصلح ما في القلب بتوبة صادقة، كما فعل أحد الكفار في غزوة الخندق عندما قال لرسول الله: يا محمد! لو أنا أسلمت الآن، وجاهدت معك هؤلاء، وقتلت في سبيل الله أأدخل الجنة؟ فلما عرف أن الإجابة بالإيجاب نطق بالشهادتين، وبدل ما كان الفرس ناحية المسلمين صار الفرس ناحية الكفار، فجاءه سهم غرب -أي: سهم طائش- فرزق الشهادة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: (تبوأ الفردوس الأعلى وهو لم يسجد لله سجدة) وهذا من حسن الخاتمة.
فهذا هو الفرق في حالتي المقتول، فمن قتل ونيته ابتغاء وجه الله ودخول الجنة فقد نجح وأفلح، ومن قتل في غير هذه النية فقد خسر خسراناً عظيماً.
وفي القرآن الكريم تجد أن عدد آيات الرحمة مائتين وثلاث عشرة آية، وآيات العذاب مائتين وثلاث عشرة آية كذلك، وآيات الجنة مائة وسبع وخمسين آية، وآيات النار مائة وسبع وخمسين آية.
أما الاعتماد على الشفاعة في الآخرة بدون أخذ الأسباب من الأعمال الصالحة، وطاعة الله ورسوله، فهذا غرور بالله سبحانه وتعالى، فإن الشفاعة تكون لرجل نتيجته تسعة وأربعين بالمائة، وإنما يحتاج درجة واحدة، فإنه يشفع له، وكذلك تكون الشفاعة لمن قال: لا إله إلا الله، فيخرج من النار بعد أن يأخذ مدة في العقاب.
أما أن تفسر الشفاعة بأنها دخول الجنة مباشرة فإن هذا الكلام يملأ القلوب بالأماني والغرور بالله سبحانه وتعالى، ويملأ القلوب بالظلمة، فلا يُعبد رب العباد حقيقة العبادة التي خلقنا من أجلها.
والبعض يتذرع في دخول الجنة بما ورد في الأثر السابق، فإن هذا الرجل عنده رصيد يتوجه به إلى الرب العظيم، أما نحن فأين رصيدنا من قيام الليل، أو رعاية اليتامى، أو رعاية الأرملة والمطلقة في المجتمع، فقد أصبحتا في زماننا مثل الكلبين الضالين.