[طرق التوصل إلى الله جل وعلا]
والخوف والرجاء كجناحي الطائر، ورأسه محبة الملك عز وجل، يقول تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤]، ويقول: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:١١٩]، ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:٩٦]، وقد وصف الله تعالى حشر المؤمنين إلى الجنة بأنهم كالوفود، فقال: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم:٨٥].
وهم في اللغة: علية القوم، فيساق أهل الجنة إلى الجنة كالزعماء والملوك، والحشر في الآية دال على كثرة من يدخل الجنة من المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم: (لكظيظهم) يعني: ازدحامهم، أي: أمته، قال: (لكظيظهم على أبواب الجنة أحب إلي من شفاعتي).
وقد بشر النبي أمته بأنهم أكثر أهل الجنة فقال: (كيف بكم وأنتم ربع أهل الجنة! فكبر الصحابة)، وهذا إكرام الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (كيف بكم وأنتم ثلث أهل الجنة! فكبر الصحابة) وفي هذا دليل على أن الصحابة كانوا عندما يعجبهم الشيء يكبرون ولا يصفقون، فإنما جعل التصفيق للنساء، حتى إن الإمام إذا أخطأ في الصلاة أو سها سبح الرجال وصفقت النساء.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم وأنتم شطر أهل الجنة! فكبر الصحابة)، وقد حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة وثلاثة عشر ألفاً من المؤمنين.
قال صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم وأنتم ثلثا أهل الجنة)، وقال في حديث آخر: (أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، أمتي ثمانون منها)، وانظر إلى حب رسول الله لأمته، أخرج الإمام الترمذي وصححه الدارقطني، قال: (يا محمد! أأجعل إليك حساب أمتك؟ قال: لا يا رب! أنت أرحم بهم مني) فصدق من سماك الرءوف الرحيم؛ لأن الله يقول: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، فأرحم الناس بهذه الأمة هو رسولها صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (يا رب! أنت أرحم بهم مني)، هذا بالنسبة لحشر المتقين، أما حال المجرمين فقد قال تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم:٨٦]، السوق عادة ما يطلق على الأنعام، تقول: ساق فلان الحمير أو الغنم أمامه.
فيوم القيامة يكشف فيه عن المستور، فلا يستطيع أحد أن ينكر شيئاً مما عمله في الدنيا، ولن يستطيع الظالم أن يغطي على ظلمه بالرشاوي ونحوها، بل في يوم ينتصر المظلوم انتصاراً مؤزراً، والله تعالى قد تكفل أن يعطيه حقه كاملاً، فقال على لسان حبيبه صلى الله عليه وسلم: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
ثم ينبغي للمظلوم ألا يدعو على ظالمه، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (عبدي! أنت قد ظلمت وتدعو على من ظلمك، وظلمت آخر فهو يدعو عليك، فإن شئت أجبت لك وأجبت عليك، وإلا أخرتكما حتى يسعكما عفوي يوم القيامة).
فينبغي للمسلم ألا يشاحن أو يباغض إخوانه المسلمين، بل يجب عليه أن يكون كلامه وفعله برداً وسلاماً على إخوانه، وألا يكون هو الشعلة والوقود للمشاحنة والمباغضة، يقول الشاعر: لا تكن عود ثقاب في حريق ولكن كن دلو ماء في هذا الحريق وسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما قاتله عكرمة بن أبي جهل وخالد بن الوليد وصناديد قريش في أحد سمع جماعة من الصحابة يتحسرون لأنهم لم يقتلوا خالداً أو عمرو بن العاص، فتبسم تبسم المنشرح صلى الله عليه وسلم وهو الذي أوذي في أحد، وكسرت رباعيته، وشج رأسه، بل إن خالداً كان من أسباب هزيمة المسلمين يوم أحد، فكان النبي يدعو لقومه بالمغفرة والهداية، ولم يدع عليهم كما فعل نوح عندما قال: {وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح:٢٨].
إذاً: فطريق الوصول إلى الله يكون عبر هذه الطرق الثلاثة: الخوف، والرجاء، والمحبة.