للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأمانة العلمية]

الصفة السابعة من صفات العلماء: الأمانة العلمية، وهي أن ينسب الأمر إلى أهله، والعالم يتعرض لهذه الأمور كثيراً، وكون العالم يأخذ معلومة من هنا ومن هنا فينسبها إلى نفسه، فهذا ليس من الأمانة العلمية، والأمانة العلمية هي التي تسمى الآن الحماية الفكرية وما إلى ذلك، فهذه سبق بها الإسلام، ومن يعود إلى كتب علماء المسلمين سواء في علوم الشرع أو علوم الحياة يجدهم حريصين أشد الحرص على إبراز الذي وصف أو قال أو تكلم بهذا الكلام، وراجع مثلاً: مقدمة الكامل في التاريخ لـ ابن الأثير رحمه الله، يقول في المقدمة: لقد أحضرت أولاً كتاب الطبري فنخلت هذا الكتاب نخلاً، فكنت آتي بأفضل أو أوسع الروايات وصفاً للحدث، وأتممها بغيرها من الروايات، وأصل الرواية بالرواية حتى يصبح النسق متصلاً، وكل هذا من كتاب الطبري، ثم قال: بعدما أنهيت كتابي من كتاب الطبري قرأت الكتب الأخرى المشهورة -وعددها- فأضفت من كل كتاب على الكتاب ما لم أجده في الطبري، حتى خرج هذا الكتاب بهذه الصورة التي ترون، فما أنا إلا جامع من الطبري ومن كذا وكذا من كتب التاريخ.

كما ذكر ابن الأثير رحمه الله، ولو نسب ما في الكتاب لنفسه ما علم العوام هذا الأمر، لكن هي أمانة علمية، فرحمه الله.

كذلك فعل أبناء موسى بن شاكر وهم من أعظم علماء المسلمين الكبار في الهندسة وفي الميكانيكا، وهم ثلاثة أولاد، ولعل الكثير لم يسمع عن أسمائهم وهم من أعظم علماء الأرض حقيقة، كتبوا كتاباً كبيراً جداً في علم الميكانيكا، فهم وضعوا علم الميكانيكا بهذا الأسلوب الحديث الموجود في كتابهم الحيل، وهو كتاب مشهور جداً، ومترجم إلى أكثر من لغة أوروبية، فكتبوا: ما كان في هذا الكتاب فهو من أفكارنا وابتكارنا وتجربتنا، إلا ما ذكرناه في أمر المعادلة الفلانية فهو من معادلات أرشميدس، وفي أمر المعادلة الفلانية فنقلاً عن أفلاطون ونقلاً عن كذا وكذا فذكروا بعض العلماء الذين نقلوا عنهم بعض أجزاء الكتاب وبقية الكتاب هو من تأليفهم، وكان من الممكن أن ينسبوا كل ما في الكتاب إليهم؛ لأن الله عز وجل ينظر.

إذاً: العالم المتقي لله عز وجل عنده أمانة علمية، ولا يضيره أبداً أن يذكر أنه أخذ من هذا وذاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>