تابع الأدلة الدالة على كون العلوم الحياتية علوماً أخروية شرعية
ذكرنا في الدرس السابق أن العلوم الحياتية من العلوم الشرعية، وذكرنا خمسة أدلة: الأول: أن الله عز وجل خلق الإنسان على الأرض وأمره أن يعمرها وينشئها ويبدع فيها، قال عز وجل: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:٣١]، وذكرنا هذه الأسماء وقلنا: هي علوم حياته: هذا جبل، وهذا سهل، وهذه شجرة، وهذا بحر، وما إلى ذلك.
الدليل الثاني قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:٣] يعني: قد اكتملت العلوم الشرعية، ولم تكتمل بعد العلوم الحياتية، والمسلمون يحتاجون إلى الخوض في هذا المجال والتعلم فيه، كما قال ربنا: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:٥٣].
الدليل الثالث: أن الكثير من قضايا الفقه لا يمكن أبداً الإفتاء فيها بحق وبعلم إلا في حال وجود متخصص في المجال الحياتي، يعني: متخصص في العلوم الطبية، أو متخصص في العلوم الاقتصادية؛ لكي يعرف الفقيه أن يصدر حكماً صحيحاً لابد من أهل التخصص يشرح له القضية شرحاً وافياً.
الدليل الرابع: ما البديل لفشل الأمة الإسلامية في العلوم الحياتية؟! هل البديل أن نعتمد على غيرنا فنستورد كل شيء؟! وهل تقوم أمة على أكتاف غيرها؟! بل هل تقوم أمة على أكتاف أعدائها؟! فمعظم الاستيراد يأتينا من بلاد محتلة لنا، هل هذا يعقل؟! هل هذا أمر مقبول شرعاً؟ هل هذا أمر شرعي أن أكون متخلفاً في التصنيع، لدرجة أنني أعتمد على عدوي في التصنيع، وأستورد منه هذه الأمور؟! انظر إلى هذه الإحصائية: الواردات في البلاد العربية: (٣٧.
٧%) من ورادات العالم العربي من الآلات ومعدات النقل، وأكثر من (٦٠%) من وارداتنا تصنيع، وستجد رقماً آخر غريباً جداً، فوارداتنا من المواد الخام (٥%) يعني: بفضل الله بلادنا غنية جداً بالمواد الخام، فهي كثيرة جداً لدرجة أنني لا أحتاج أن أستورد من المواد الخام غير (٥%) فقط، لكن نحن نستورد (٦٠%) وأكثر من الأمور المصنعة، فنحن عندنا بقر فيها لبن، وعندنا أرض تخرج خيراً، لكن لا نستغل هذه الأشياء، فنجعل غيرنا يستغلها ثم يبيعها لنا بعد ذلك بعشرة أضعاف الثمن.
ثم نأتي إلى صادرات العالم الإسلامي ستجد (٦٩%) من صادرات العالم الإسلامي من البترول، ويستوردون (٥%) من المواد الخام، يعني: حوالي (٧٥%) من صادرات العالم الإسلامي من المواد الخام، فنحن نصدر المواد الخام ويصنعونها في الخارج ثم نعود لنستوردها مرة أخرى، هل يستقيم هذا الوضع؟ حتى البترول الذي نحن نصدره بكميات كبيرة من الذي يخرجه من غير تصنيع؟ شركات أمريكية، وشركات كندية، وشركات أوروبية ويأخذون نسباً رهيبة من البترول، وعقود احتكار تسعة وتسعين سنة، يعني: قصرها على نفسه وعلى أولاده وأحفاده وأحفاد أحفاده، تسعة وتسعون سنة عقود احتكار في شركات استخراج البترول من هنا وهناك من أطراف العالم العربي المختلفة.
إذاً: هذه الأرقام تحتاج إلى وقفة من المسلمين.
وتكلمنا عن السلاح، وقلنا: إننا نستورد السلاح في الغالب كله من الخارج، لا يصنع في بلاد المسلمين، قليل جداً من البلاد الإسلامية هي التي تصنع السلاح، ومعظم الدول الإسلامية تستورد السلاح من أمريكا وإنجلترا وفرنسا وروسيا، يعني: أمريكا وإنجلترا احتلتا أفغانستان والعراق ونستورد منهم سلاحاً، وروسيا احتلت الشيشان ونستورد منهم سلاحاً، هذا شيء لا يقبل.
الدليل الخامس: أن علوم الحياة طريق لمعرفة الله عز وجل، كلما تقرأ في الكون أكثر تعرف ربنا سبحانه أكثر، وتستطيع أن تعبد الله عز وجل عبادة صحيحة، ولذلك يقول الله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧]، يأتي الإشراك عندما لا تقدر الله حق قدره، والتبحر في هذه العلوم يعطي لله عز وجل قدره، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:٦٧]، عندما أقرأ في الطب وفي الفلك وفي الجيولوجيا وأرى هذه العلوم الواسعة، وأرى خلق الله عز وجل، وفي النبات وفي الحيوان وفي غيره أزداد تعظيماً لله عز وجل وعبادة له.